زراعة الأعضاء البشرية والتبرع بها.. بين التشريع والموقف الاجتماعي
مراسلون وتحقيقات
ملك خدام - يحيى موسى الشهابي
في مشفى الكلية الجراحي
مراسلون وتحقيقات
ملك خدام - يحيى موسى الشهابي
في مشفى الكلية الجراحي
الدكتورة رانية ديراني مديرة مشفى الكلية الجراحي قالت : ما زال مشفى الكلية الجراحي يستقبل الحالات المرضية من جميع أنحاء القطر وهو ما يسبب الضغط الكبير, حيث يتم اجراء غسيل الكلية ل¯154 مريضاً ثابتاً على البرنامج بمعدل جلستين في الأسبوع إضافة إلى مرضى الحالات الاسعافية أو - الطارئة أي غير المسجلين في البرنامج -ويعتبر هذا المعدل - أي جلستين للغسيل في الأسبوع للمريض - منطقيا ويفي بالغرض وهي سياسة طبية مطبقة في العديد من الدول ويمكن أن تكثف الجلسات في حال حصول اختلاطات عند المرضى.
وقد بلغ المعدل الشهري حوالى 1300 جلسة شهرياً وهذا الأمر يمكن أن يتفاوت من شهر لآخر حسب وضع المرضى وعدد الحالات الاسعافية, وبشكل عام يبلغ حوالى 100 مريض يوميا.
ويعزى سبب الضغط على المشفى لعدة أمور أهمها : طموح المريض لرأي ثان تخصصي ووجود عدة أقسام : داخلية - عمليات - تفتيت - زرع ..
-الخبرات المتراكمة لدى الطاقم الطبي نتيجة للعمل التخصصي بالمشفى.
وجود جهاز للتفتيت بالأمواج فوق الصوتية والأشعة لا يوجد مثله في قطاع الدولة بدأ تشغيله عام ,2003 كما تم رصد مبلغ مالي بعد موافقة السيد الوزير لشراء جهاز آخر بدلا من الجهاز القديم المنسق.
وجود 24 جهازا لغسيل الكلية حديثاً جداً ومبرمجاً بالكمبيوتر إضافة لجهازين للحالات الإسعافية.
> ما نسبة التقنية التي تقوم بها أجهزة الغسيل?
>> تقوم الأجهزة بتنقية الدم بشكل صحيح وكامل اضافة لذلك يجري اتلاف الفلتر والأنبوب بعد كل جلسة, واذا حدث خلل في عمل الفلتر خلال الجلسة يجرى تبديله بفلتر آخر, وبعبارة أخرى تتم التنقية الدموية في قطاع الدولة بتكاليف أكثر من المشافي الخاصة, حيث تبلغ تكاليف الغسيل ل¯154 مريضا مسجلا عندنا بحوالى 3.250.000 ل.س شهريا.
> ما الوضع الحالي لمركز العناية المشددة في المشفى ?
>> مركز العناية المشددة قيد الانشاء فالبناء موجود وقيد التسليم وهناك أربعة أجهزة تنفس صناعي حديثة وتم الاعلان عن مناقصة لاستجرار جهاز ايكو قلب دوبلر, كما سيتم استكمال باقي التجهيزات خلال فترة قريبة وعندها يتم افتتاحه.
> كيف يتم قطف الكلية وزرعها ?
>> منذ عام 2001 وبالتحديد منذ 27/2/2001 تم اجراء 286 عملية زرع كلية بمعدل عمليتين اسبوعيا وبنجاح عال من 85% وحتى 90% وتعد حالات الوفاة شبه معدومة إذ توفيت حالتان فقط وذلك بسبب الاختلاطات ورفض الجسم للكلية المزروعة, وتلك الحالات كانت من الأقارب بنسبة 70% ونسعى لتطوير مشروع التبرع من حالات الموت الدماغي ولهذه الغاية قام مشروع توسيع المشفى وإنشاء المخبر المناعي / التنميط النسيجي / فهو قيد استلام التجهيزات.
أما قطف الكلية فيتم بعد عدة اجراءات أهمها :
1- دراسة الحالات من قبل لجنة طبية مؤلفة من اختصاصي الجراحة البولية وأمراض الكلية لإعطاء الموافقة.
2- تجرى جلسة علمية أسبوعياً على مستوى المشفى تناقش فيها كل حالة أخذت الموافقة الطبية ويتم تحديد البروتوكول العلاجي وتحديد الكلية المراد قطفها من المتبرع, ما يتميز به مشفى الكلية الجراحي هو وجود الامكانات للانتقال من بروتوكول علاجي لآخر إذا حدثت مشكلة ما أثناء الجراحة أو بعد اجراء عملية الزرع, ويبقى المريض لفترة أسبوع وحتى عشرة أيام تحت المراقبة في المشفى وتستمر المراقبة المكثفة لمدة ثلاثة أشهر في عيادة زرع المشفى ثم تتباعد فترات المراقبة الدورية شهريا حتى السنة ثم تجرى مراجعات روتينية كل ثلاثة أشهر هذا إن لم يحصل أي اختلاط خلال هذه الفترة.
ونطمح لزرع الكلى من حوادث الموت الدماغي للحاجة المتزايدة كما لا بد من خضوع المتبرعين الأحياء من غير الأقرباء لإشراف كامل من الدولة تجنبا لتجارة الأعضاء, والتجربة الايرانية أفضل مثال لذلك, كما نطمح الى احداث مركز طبي لزرع الأعضاء يشرف وينظم تلك الحالات.
سجل وطني لمرضى القصور الكلوي
> الدكتور بسام سعيد عيادة كلية الأطفال : يوجد 200 طفل مصاب بقصور كلوي مسجلين في شعبة أمراض الكلية عند الأطفال منذ عام 2003 والسبب الغالب للمرضى هو زواج الأقارب, ولذلك طالب بسجل وطني لمرضى القصور الكلوي فيه كل البيانات والمنطقة التي يعالج فيها وتحمل كل حالة رقما يمكن للطبيب الاطلاع على تلك الحالة في أي مكان وزمان عن طريق الكمبيوتر.
زراعة القرنية في مشفى العيون الجراحي
> الدكتور رضا سعيد مدير مشفى العيون الجراحي قال: تم إجراء 1500 عملية قرنية منذ عام 1998 وحتى الآن وبشكل مجاني.
> ماذا عن مشروع بنك العيون ?
>> مشروع بنك العيون قديم في سورية ولكن لا وجود فعلي له حتى الآن هناك أجهزة وبناء وننتظر مرسوم التنظيم وتأمين الكادر وتنظيم آلية القطف وبمجرد صدور ذلك المرسوم سيبدأ العمل فيه على أسس واضحة.
والأهم في هذا الأمر هو نوعية الجمهور للحصول على القرنيات المتبرعة بها. إذ يتم الحصول على القرنية بعد الوفاة دون أي مشكلة حتى ثماني ساعات بدون إشكال حيث تحفظ بسائل ودرجة حرارة 4ْ ويمكن استعمالها لغاية 14 يوما بالحفظ.
ويتم الحصول على القرنيات ( حاجة سورية ) من مصادر البنوك الأجنبية, حيث يصل المبلغ المترتب على المريض للحصول على القرنية من البنوك العالمية من 900-1200 ألف دولار مشاركة في تكلفة قطف القرنية وحفظها وليس ثمنها
وحاجة سورية كبيرة لحوالى 4000 مريض ويؤمن القطاع الحكومي قسما كبيرا أي أكبر كمية ممكنة والباقي يؤمنه القطاع الخاص حيث تبلغ كلفة العملية 80000 - 110000 ل.س وفي خارج القطر تبلغ بين 3000 - 4000 دولار.
وأضاف الدكتور سعيد : تتم العمليات في مشفى العيون مجاناً إلا من بعض الأدوات اللازمة للعملية والتي لاتتجاوز 3000 - 5000 ل.س تلك الأدوات التي تستخدم لمرة واحدة تدفع الدولة 150 دولارا أجرة شحن ومساهمة فقط .ويتم مراجعة أكثر من 400 مراجع يومياً.
وبالنسبة لإجراء العملية فهي عملية بسيطة لاتحتاج سوى طبيب عيون متمرن بشكل جيد والكادر الطبي متوفر عندنا وتلك العملية لاتحتاج إلى تقنية والبروتوكولات علاجية بعد العملية ولا حتى إلى أدوية, المشكلة الوحيدة هي فقط تأمين القرنية ورفض القرنية نسبتها قليلة جداً.
ويعتبر قانون زرع الأعضاء رقم 30 هام جداً لأن بنك العيون يحتاج إلى الناس والتبرع وهنا لابد من ضرورة التوعية الجماهيرية, وبتقبل فكرة التبرع يمكن لبنك العيون القيام بواجباته وتأمين حاجة الآلاف من المرضى ويهدف بنك العيون إلى القيام بقطف القرنيات أو العيون وفحصها وحفظها وتوزيعها, وتنظيم عمليات زرع القرنيات ومراقبة وتنظيم استيراد القرنيات وفحصها والموافقة على زرعها, كما يتضمن حفظ الأغشية الامنيوسية والصلبة.
ولا بد من وجود استقلالية مادية وبشرية ليستطيع مشفى العيون القيام بالأعمال المنوطة به.
> ما الضوابط التي تحكم عمليات زرع القرنية ?
>> أي قرنية سليمة تصلح, وثمة ضوابط طبية وحاجة لأيد خبيرة نسبيا وأي مشفى عنده غرفة عمليات عينية يستطيع القيام بها فهي عملية روتينية وإن كانت تحتاج لمراقبة ومتابعة وعندما يتحرك الرفض يتم علاجه وبسرعة, باختصار إن عملية زرع القرنية سهلة التنفيذ ويخرج المريض بنفس اليوم ويراجع بعد أسبوع ثم كل شهرين, ونسبة النجاح بشكل عام عالية جدا ( 90% ), أما نسبة الرفض تحدد حسب درجة الأذية وكل العمليات التي تجرى ترفق القرنية مع شهادة فيها كل الفحوصات اللازمة والمطمئنة ..
> ما انعكاسات قانون رقم 30 لزرع الأعضاء على عمليات زرع القرنية ?
>> سهل العديد من الأمور السابقة وخاصة الشرعية لتسهيل طريقة الحصول على القرنية ( يكفي أحد الورثة ) وهو بشكل عام إيجابي والجدير بالذكر أن تلك العملية قديمة منذ الخمسينيات ولا إشكال إلا في القوانين غير الواضحة ففي بعض البلدان مثلا كل شخص في البلد متبرع ما لم يخبر بأنه لا يريد التبرع وبالمناسبة كل بنوك العالم لاتكتب اسم المتبرع, ولاتعطيه للمستفيد,و إنما تحتفظ به فقط بالسجلات .
>هل ثمة ضغط كبير على المشفى ?
>> الضغط على المشفى كبير جدا وخاصة من مناطق الجزيرة 50% وهذا يستدعي إجراءات على صعيد القطر بشكل كامل من حيث توزيع المراكز وإعادة التوازن بتوزيع الأطباء.
> هل من أفضلية في تقديم العلاج ?
>> الأفضلية للحالات الاسعافية وللشباب وخاصة إن كانوا يشكون من إصابة في العينين.
> ويختتم الدكتور رضا سعيد حديثه بالقول: لابد من التوعية وخاصة من جهة قطف القرنية من الجثث فكم من حالات لأشخاص اجريت لهم عمليات زرع قرنية واختلفت حياتهم وكسب المجتمع فردا فعالا به فالقرنية هي بلورة شفافة أمام العين يمكن استبدالها بعدسة بلاستيكية ومعنى ذلك أنها لاتشوه نهائيا جثة المتوفى.
وللعلم إن عملية استئصال العين بشكل كامل أو جزئي لايشوه الميت.
أرقام هامة في إحصائيات استثنائية
> د. لمى محمود رئيسة قسم القرنيات في مشفى العيون الجراحي, قدمت لنا مشكورة, أرقاماً هامة في إحصائيات استثنائية جرت في المشفى المذكور, إذ تقول : بلغ عدد المسجلين لدى المشفى 5131 حالة منها 3101 إصابة مزدوجة أي بالعينين, تم إجراء عملية زرع قرنية لعين واحدة ل¯ / 1000 شخص / ومن بين ( 2030 ) شخصاً إصابة بعين واحدة تم إجراء عملية زرع قرنية ل¯/500 شخص / تتوزع تلك الحالات حسب الفئات العمرية التالية :
وتعد أغلب الحالات في الفئتين من 10 - 20 والثانية 20 - 30 ذات إصابة مخروطية وتشكل نسبة نجاح العملية 90% وهذا يعني أن تلك الفئة لابد من الاهتمام بها لأن المستقبل مازال أمامها أما الفئات 20 - 30 ومن 30 - 40 فأغلب أسبابها حثول قرنية وراثية نتيجة تزاوج الأقارب وتختلف درجة نجاحها باختلاف أشكالها وتكون غالبا 80% نجاح.
وبعبارة أخرى فإن كانت المشكلة عند المكفوف هي القرنية فالنجاح كبير جداً ولاينقص ذلك سوى توفر القرنية وعندها يعود الكفيف لممارسة نشاطه الاجتماعي وبناء المجتمع الذي يحتاج لكل مواطن من مواطنيه.
حسنات القانون الجديد
> د. فواز صالح مدرس في كلية الحقوق بجامعة دمشق قال: جاء القانون الجديد لنقل الأعضاء وزرعها بأحكام جديدة سدت النقص الذي كان يعتري أحكام القانون القديم, وأهم هذه الأحكام :
1 - معاقبة كل من يخالف أحكام القانون الجديد المتعلق بنقل الأعضاء وزرعها, بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين, وبالغرامة من 5000 إلى 10000 ل.س, بموجب نص المادة 7/أ- منه. ويشمل هذا المنع بشكل خاص أعضاء الفريق الصحي الذي له علاقة بعملية نقل الأعضاء وزرعها.
في الحقيقة عبارة هذا النص جاءت مطلقة وبالتالي فهي لاتشمل فقط أعضاء الفريق الصحي, وإنما كل شخص يثبت أنه خالف أحكام هذا القانون.
2 - تحريم الإتجار بالأعضاء.
إذ لم يكن هذا الجرم معاقبا عليه سابقا, وقد تبين للمشرع أن هذا الأمر يشكل نقصا في القانون, وبالتالي جاء القانون الجديد ليسد هذا النقص.
ويعاقب القانون الجديد على الاتجار بالأعضاء بالأشغال الشاقة المؤقتة ( وتتراوح مدتها بين 3سنوات وخمس عشرة سنة ), وبالغرامة من 50000 إلى 100000 ل.س.
وبالتالي تجريم الإتجار بالأعضاء هي جنائية الوصف, وفقاً لما جاء في المادة 7/ب من هذا القانون.
3 - تحديد الأشخاص الذين لهم الحق في الموافقة على التبرع بأعضاء من جثة شخص متوفى.
في الواقع كانت المادة 3/3 من القانون القديم لنقل الأعضاء وزرعها تجيز نقل الأعضاء من جثة ميت في حالة سماح عائلة المتوفى بذلك, و لم يوضح من المقصود من العائلة, وبالتالي هذا النقص كان يشكل في بعض الأحيان نقصا وخللا يعيق تطبيق القانون.
لذلك تدخل المشرع, بموجب أحكام القانون الجديد, وعدل أحكام تلك المادة, بحيث أصبحت المادة 3 من القانون الجديد تحدد الأشخاص الذين يحق لهم الموافقة على التبرع بأعضاء من جثة قريب لهم, وهذه الموافقة تكون على النحو الآتي:
آ - قرابة الدرجة الأولى.
ب - قرابة الدرجة الثانية في حال عدم توافر قرابة من الدرجة الأولى
4 - إمكانية حفظ الأعضاء, إذ تجيز المادتان 1و3 من القانون الجديد حفظ الأعضاء المتبرع بها أصولا.
ثغرات لا بد من تلافيها
> وأضاف د. صالح القول : في الواقع لا يعد القانون الجديد لنقل الأعضاء كاملاً مكملاً, وإنما فيه الكثير من الثغرات, وأهمها :
1 - خلل في صياغة المادة 2 منه. إذ تنص هذه المادة على أنه ( يمكن نقل الأعضاء وغرسها من شخص حي إلى شخص حي آخر, في الحالتين الآتيتين :
أ - في حالة كون النسيج أو العضو منقولاً من وإلى نفس الجسم الذي يتلقاه ..
ولكن في هذه الحالة لايتم النقل من شخص حي إلى شخص حي آخر, كما جاء في بداية نص المادة 2المذكور أعلاه, وإنما النقل يتم هنا إلى الشخص نفسه.
2 - البقاء على تشتت الأحكام المتعلقة بزرع الأعضاء والتبرع بها في نصوص قانونية عدة, أهمها :
أ - المرسوم التشريعي رقم 204 تاريخ 15/10/1963 المتعلق بإنشاء بنوك للعيون.
ب - المرسوم التشريعي رقم 99 تاريخ 7/4/1970 المتضمن نظام التبرع بالدم.
ج - القانون رقم 30 تاريخ 20/11/2003 المتعلق بنقل الأعضاء.
وكان الأجدر بالمشرع أن يجمع كل هذه النصوص في نص واحد يسهل الرجوع إليه.
3 - لم يكرس القانون الجديد التزام الطبيب بإعلام المتبرع بالنتائج المترتبة على التبرع, ولم يبين فيما إذا كان يحق للمتبرع الرجوع عن رضاه قبل إجراء العملية.
في الواقع تكرس القوانين المعاصرة المتعلقة بنقل الأعضاء والتبرع بها مثل هذا الالتزام على عاتق الطبيب, أو الفريق الطبي.
والهدف من هذا الالتزام هو تنبيه المتبرع إلى خطورة العملية ونتائجها المحتملة على صحته.
لذا يجب على الطبيب, قبل أن يبدي المتبرع موافقته على التبرع, أن ينبهه إلى مثل تلك المخاطر, بعد ذلك يعبر المتبرع عن رضاه أو عدم رضاه بعد الاطلاع على كافة النتائج التي يمكن أن تترتب على عملية الاقتطاع وعلى خطورة العملية.
ومن هنا اشتراط هذه القوانين توافر الرضا المستنير للمتبرع, أي الرضا الذي يقوم على معلومات صحيحة يقدمها الطبيب للمتبرع قبل صدور الرضا.
ولكن يمكن أن يعد مثل هذا الالتزام واجبا مسلكيا بالنسبة للطبيب, فإذا أخل به, فهذا الاخلال يستوجب مساءلته مسلكيا عن تلك المخالفة.
4 - عدم اشتراط صلة القرابة بين المتبرع والمستفيد في حالة التبرع بين الأحياء, وأعتقد أن هذا الأمر يفتح المجال أمام التحايل على أحكام هذا القانون, وبالتالي دفع مقابل مادي لقاء العضو المتنازل عنه.
إذ من النادر جداً مثلاً أن يتبرع شخص لشخص آخر بكليته وهو لايعرفه?!!...
والواقع أثبت أن معظم عمليات التبرع, بين أشخاص لاتربطهم أي صلة قرابة, قد تمت بمقابل, حتى لا أقول جميع تلك العمليات وفي بعض الأحيان كان الأطباء على علم بذلك.
وفي الحقيقة, كان الأجدر بالمشرع أن يشترط مثل هذا الشرط في حالة التبرع بين الأحياء, ولاسيما أن نسبة التبرع بين الأحياء لاتشكل أكثر من 10% في أحسن الحالات أما 90% من الحالات يتم التبرع فيها من جثث الأموات.
واستناداً الى ذلك فإن معظم القوانين في العالم تشترط مثل هذه الشرط في حالة التبرع بين الاحياء , اي صلة القرابة بين المتبرع والمستفيد .
5 - لم يحدد المشرع معيار الموت في حالة التبرع من جثث الموتى, وانما اشترطت المادة 5 من القانون الجديد, لنقل الاعضاء من المتوفى, التأكد من الوفاة وفقا للتعليمات التي تصدرها وزارة الصحة, وبموجب تقرير اصولي من لجنة طبية مؤلفة من ثلاثة اطباء, في الواقع هناك معياران للتأكد من الوفاة , وهما :
أ - توقف القلب, ب - موت جذع الدماغ ( أو الموت الدماغي )
وتكرس معظم التشريعات الغربية معيار الموت الدماغي. لا بل حتى بعض الدول الاسلامية تكرس هذا المعيار مثل المملكة العربية السعودية .
وتجدر الإشارة إلى ان مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي, كرس هذا المعيار في دورته الثالثة المنعقدة في الأردن عام .1986
وبالتالي أرى أن التعليمات التنفيذية لهذا القانون يجب أن تكرس معياراً للموت الدماغي. طالما أن الطباء المختصين مجمعون على ذلك. فهذا الأمر يشكل مسألة يعود لأصحاب الإختصاص البت به.
6 - لم ينص القانون الجديد على منع التبرع بالحيوانات المنوية أو البويضات صراحة.
في الحقيقة انتشرت في الآونة الأخيرة في معظم محافظات القطر مراكز أطفال الأنابيب والتلقيح الإصطناعي, وهذا أمر في غاية الأهمية من شأنه أن يقلل كثيراً من حالات العقم, إلا أنه لا يوجد حتى الآن أي إطار قانوني لعمل مثل هذه المراكز, ما يتطلب تدخل المشرع لوضع مثل هذا الإطار.
7 - كان من المفروض أن ينص التشريع الجديد على إنشاء مركز وطني لزرع الأعضاء والتبرع بها, من مهامه الإشراف على هذه العمليات.
8 - ظهرت في السنوات الأخيرة آفاق جديدة في مجال زرع الأعضاء منها : استخدام الأجنة الفائضة في إطار عمليات التلقيح الإصطناعي وأطفال الأنابيب, وكذلك الحال بالنسبة للاجنة المجهضة, أو استخدام أعضاء حيوانية معدلة وراثياً .. ولم يبين القانون الجديد موقفه من كل ذلك ..
من الناحية الشرعية
> قبل الخوض في موقف الشريعة من زراعة الأعضاء, يجدر التنويه إلى توافق الرأيين الشرعيين للإسلام والمسيحية في هذا المضمار ونبدأ من رأي أستاذ الفقه الإسلامي د. أحمد الحسن في كلية الشريعة بجامعة دمشق الذي بين في ختام هذا الملف موقف الشرع من عملية الزرع قائلا : يعاني بعض أفراد المجتمع من مراض تؤثر في سير حياتهم وعطائهم كمن فقد بصره أو تعرضت حياته لخطر نتيجة آفة مرضية أصابت كليتيه, أو توقفت حياته على زرع قلب له.
ولا شك أن مساعدة هؤلاء من باب إحياء النفس وفيها ثواب عظيم, لقوله تعالى ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) المائدة /.32
والسبيل إلى مساعدة هؤلاء تكمن في أن يعطف المجتمع عليهم, ويتمثل تعاليم الإسلام التي تحث على التعاون على البر والتقوى, وتيبن أن الله في عون العبد مادام العبد في عون اخيه.
إلا أن الشريعة الإسلامية لا تحكم بجواز كل حالات التبرع بالأعضاء بل الأمر في ذلك مضبوط بضوابط تعود على المريض بالنفع لكن شريطة حفظ حياة المتبرع, فالضرر لا يزال بمثله ويمكن تصور حالات التبرع بالأعضاء في النقاط التالية :
1- التبرع بعضو تتوقف عليه الحياة .
2- التبرع بعضو لا تتوقف عليه الحياة .
3- اخذ اعضاء الميت .
التبرع بعضو تتوقف عليه حياة المتبرع
أن التبرع بعضو تتوقف عليه الحياة محرم, ويدخل تحت الإنتحار الذي حرمه الله تعالى , فليس لمعصوم الدم / غير المحكوم بالإعدام / أن يتبرع بقلبه او بكليتيه, والشريعة تسوي بين الناس في الإنسانية, فالناس سواسية كأسنان المشط, فلا اعتبار لحالة المريض الإجتماعية, فلو احتاج رجل يتبوأ مركزاً اجتماعيا مرموقاً, أو يتمتع بخبرات علمية فريدة تنعكس على مجتمعه بالنفع, فليس لنا أن نضحي بحياة شخص من أجل ابقاء حياته, فالشريعة تحرم إلقاء النفس في التهلكة } ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة { البقرة ¯ .195 }
التبرع بعضو لا تتوقف عليه حياة المتبرع
قد يصاب أحدهم بآفة في كليتيه فتكون حياته معرضة للخطر, أو قد يصاب بالعمى لخلل في قرنيتي العين عنده, أو قد يفسد عمل الكبد عنده.
ولقد شرع الإسلام التداوي, لكن بشرط أن يكون بما أباحه الله تعالى فقد ثبت عن النبي أنه قال : { عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء, غير داء واحد هو الهرم }
وإذا كان استعمال الدواء مباحاً فقد لا يفيد لبعض الأمراض, فحين تتعطل الكليتان عن العمل, أو يتشمع الكبد, أو تصاب قرنيتا العين بآفة , فالعلاج يكمن في زرع كلية لمن تعطلت كليتاه عن العمل وفي زرع جزء من الكبد لمن أصيب بتشمع في الكبد وفي زرع قرنية لمن فقد بصره .
وقد تطور الطب في مجال زرع الأعضاء في النصف الثاني من القرن العشرين عندما أجريت أول عملية ناجحة في زرع الكلى وفي منتصف الستينيات بدأت أول عمليات زرع القلب والكبد والبنكرياس وغيرها, وقد أدى زرع الأعضاء إلى الشفاء من امراض مستعصية.
فما موقف الشريعة من التبرع بعضو لا تتوقف عليه حياة المتبرع وفيه إنقاذ حياة المريض, أو إنقاذ عضو من أعضائه ?.
للاجابة عن هذا السؤال, فإننا نميز بين المتبرع الذي لا يتمتع بأهلية التبرع كالصبي والمجنون, وبين المتبرع الذي يتمتع بأهلية التبرع وهو البالغ العاقل.
فإذا كان المتبرع قاصراً فلا يصح تبرعه, وليس لوليه أو وصيه التبرع بعضو من أعضائه, لان تصرف الولي منوط بالمصلحة, ولا مصلحة للصغير والمجنون في التبرع بأعضائهما, وقياسا على عدم صحة تبرع الولي بمال القاصر فمن باب اولى انه لا يملك التصرف بأعضائه.
وأن كان المتبرع كامل الأهلية, فله أن يتبرع بكلية واحدة, أو بقرنية عين واحدة, أو بجزء من الكبد اذا قرر طبيبان عادلان أن أخذ هذا العضو من المتبرع لا يؤثر في حياته لأن العضو الآخر عنده سليم.
ويدخل هذا التبرع تحت قاعدة الإيثار التي تشجعها الشريعة الإسلامية وتقضي بمضاعفة الثواب للمؤثر .
إلا أنه قد يرد أشكال هنا, وهو أن الإنسان لا يملك أعضاءه فكيف يجوز له التبرع بعضو لا يملكه, والمعروف أن الإنسان يتبرع بما يملك ?.
تنقسم الحقوق إلى حقوق خالصة لله كالإيمان والعبادات, وحقوق خالصة للإنسان كحق الملكية في السلع وحقوق مشتركة بين الله وبين العبد سواء أكانت هذه الحقوق على جهة التمليك أو التمتيع, وإنما أضيفت الحقوق إلى الله تعظيما لها, ولأن أثرها ينعكس على المجتمع, ويقرب من هذا ما يسمى في علم القانون بالحق العام .
فأعضاء الانسان هي من النوع الثالث من الحقوق وهي الحقوق المشتركة فالإنسان لا يملك اعضاءه , لكن يملك الاستفادة منها فيسخر عينيه في القراءة وان ترتب عليها الضرر, ويسخر يديه في مباشرة العمل الحر مع احتمال تعرضهما للخطر .
والقاعدة في ذلك ان كل ماكان من حقوق الانسان أو الغالب فيه حق الإنسان جاز له التصرف فيه, وكل ما جاز التصرف فيه جاز الإيثار به .
فمن أسمى مكارم الأخلاق أن يؤثر أحدهم مريضاً بكليته أو بقرنية عينه ,ومن أرقى سبل التلاحم والتوادد بين افراد المجتمع أن ينظر الأفراد على انهم كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
أخذ أعضاء الميت
الميت له حرمة في الشريعة, فتحرم المثله ( التمثيل ) به لما ورد عن النبي ] أنه قال : { كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم }.
وأخذ عضو من أعضاء الميت مثلة به, فيحرم ذلك من حيث الأصل, إلا أنه إذا توقفت حياة شخص على أخذ عضو من ميت أو ترتب على أخذ عضو الميت وزرعه في الحي عودة عضو الحي إلى عمله الطبيعي فالحكم الجواز, غير أننا ينبغي أن نفرق بين موت القلب وموت الدماغ.
فموت القلب هو الموت المعهود لدى عامة الناس, وهو الذي ترتب عليه الشريعة الأحكام, من وراثة أمواله, ووجوب غسله وتكفينه ودفنه.
أما موت الدماغ فهو موت جذع الدماغ, ويسمى الموت السريري, كأن يصاب شخص في رأسه نتيجة حادث فينقل للمشفى, ويوضع تحت أجهزة الإنعاش, فينبض القلب بفعل الأجهزة, وإن كان جذع الدماغ قد مات, ويحكم الأطباء على الموت الدماغي أنه موت يقيني إلا ان هذا اليقين من اليقين التدريبي وليس القطعي, لأنه حاصل من التجارب, وربما يعود الميت دماغياً إلى الحياة وإن كان هذا أمراً مستبعداً.
إذن بالنسبة لموت القلب يمكن أن نأخذ منه أعضاءه لكن بشرط إذن الورثة, لأنهم يرثون حق الكرامة الذي للميت, والمثله بالميت تخدش الكرامة, وبالتنازل عن هذا الحق يصح التبرع, واما موت الدماغ فقد قرر مجمع الفقه الإسلامي اعتباره موتاً حقيقياً لما يقوله الأطباء في ذلك .
ويبدو أن هذا محل نظر, لما يترتب على اخذ اعضاء ميت الدماغ مشكلات اجتماعية, فما لم يقنع الناس بأن موت الدماغ موت حقيقي فإن الاشكال يبقى قائما .
واخيرا فإنه على اختلاف حالات اخذ الاعضاء , فإن الاخذ يكون على جهة التبرع لا المعارضة والبيع , لأن البيع يرد على المال والانسان لا يعد مالا.
> من جهة أكد الأب الياس زحلاوي قول السيد المسيح { مامن حب اعظم من أن يبذل الإنسان نفسه فداء عن أحبائه }. وأضاف القول : من المعروف ان السيد المسيح دعا لمحبة تشمل كل انسان فالجميع في نظر يسوع احباء للجميع. فان كان هو يقول بواجب بذل الحياة نفسها من اجل الاخرين فماذا تراه يقول في تقديم عضو من اعضاء الجسد لانقاذ حياتهم. اذا يتضح من هذا القول ان منح الاعضاء البشرية للاخرين انقاذا لحياتهم ليس واجباً فقط على الانسان بل هو حق عليه. ولابد من التفكير به وممارسته انطلاقاً من هذا المبدأ الواضح كل الوضوح الذي يدعو الجميع دون استثناء لبذل حياتهم من اجل الاخرين وبذل كل مايمكن ان يبذل ( بما فيه أعضاء الجسم ) من أجل الآخرين بالمعنى الشامل للكلمة.
بنوك أعضاء متنقلة
مما يذكر أخيراً .. أن العديد من مراكز معالجة القصور الكلوي في سورية, يضطرون لاعتماد جلسة واحدة بدلا من اثنين اوثلاث, لإبقاء المريض على قيد الحياة, وإفساح المجال لغيره كي يعيش .
اضف إلى ذلك, أن التكاليف الباهظة لعمليات الزرع, لا يمكن أن يسددها مجتمعة, نشاط جمعية خيرية هنا, وتبرع فاعل خير هناك .
إن لهذا العمل بعده الإنساني, الذي يحتاج إلى مؤازرة ومساندة الجميع, والأهم هو التوجه إلى المتبرعين, الذين هم في النتيجة - بنوك أعضاء متنقلة - لو أذكينا جذوة الخير والإنسانية بداخلهم, أصبحنا بهم أغنى من كل بنوك العالم في مجال زراعة الأعضاء ..
والشعب السوري عموماً, شعب معطاء, ولا أدل على ذلك من نداء يوجهه التلفزيون, للمواطنين من أجل التبرع بالدم حتى تجد بنك الدم عامراً بالمتبرعين .. وعلى ذلك ينبغي أن نقيس.