لا أعرف ما إذا كانت كلمتا "بطر" و " بطران " كلمتان فصيحتان وبصراحة لم أكلّف
نفسي عناء البحث عنهما في قواميس اللغة وذلك لثقتي التامة بأنّهما معروفتان تماماً وسيفهم الجميع المعنى المُراد من استخدامهما هنا
نستخدم كلمة "بطران" للحديث عن شخص نرى أنّه لا يدرك قيمة النعم ولا يحافظ عليها
هذا مفهومي للكلمة وأعتقد أنّ مفهومكم للكلمة يتطابق ولا يختلف عن مفهومي
لماذا الحديث عن "البطر" الآن ؟
تذكّرت حديثاً دار بيني وبين مدرّسة زميلة لي عن أعباء الأعمال المنزليّة ومنها الطبخ وإعداد الطّعام للعائلة.
ذكرت في حديثها أنّ زوجها و أولادها لا يأكلون بقايا طعام الأمس ويريدون كل يوم طعاماً طازجاً مهما كلّفها ذلك من
وقت وجهد
لا أعرف إن كنتم توافقونني الرأي ولكنني أعتبر هذا التصرّف نوعاً من "البطر" والهدر وعدم حفظ النعم
قد يقول قائل منكم لماذا لا تطبخ ربّة المنزل من الطّعام ما يناسب استهلاك العائلة وتحرص على أن لا يزيد منه أيّة كمية لليوم التالي
حسناً وإن حصل وزادت كمية من الطعام ماذا نفعل ؟
هل نرميها ؟
أليس هذا تكبّراً على النعمة وهدراً لها ؟
تذكرت هذا الحديث بتفاصيله عندما قرأت ما قاله بعض من شرّدتهم الفيضانات في باكستان إذ قالوا أنّهم يصومون ولا يجدون ما يفطرون عليه
شرّدت الفيضانات ملايين الأشخاص فصاروا بلا مأوى ولا طعام ولا مياه نظيفة للشرب ولا أدوية
والأدهى والأمرّ من هذا كلّه أنّ الأوبئة والأمراض بدأت تتفشّى بينهم والأوضاع المأساويّة في تفاقم
هذا ما يعانيه إخوة لنا في مكان ما من العالم ونحن هنا نتمتّع بالنعم ونهدرها ولا نحفظها شكراً لله
وخوفاً من زوالها
قد يتساءل البعض وهل أمتنع عن الطعام والشراب تضامناً معهم ؟
من قال هذا ؟!
كلوا واشربوا وتمتّعوا بالنّعم التي أنعم الله بها عليكم ولكن لا "تبطروا"
احفظوا النعم كي تدوم
وليكن دعاؤنا دائماً اللهم عرفنا على نعمك بدوامها
ولا تعرفنا عليها بزوالها فبعض الناس لا يعرف قيمة
النعمة إلاّ بعد زوالها وعندها لا ينفع النّدم
من ضروب "البطر" وفنونه أيضاً أننا نأكل هذا ولا نأكل ذاك
ونحب هذا الصنف من الطعام ولا نحب ذاك بل وقد نكره ذاك الصنف
وفي بعض بقاع الأرض هناك من يموتون جوعاً
ولعلّكم سمعتم شيئاً عن المجاعات في بعض الدول الافريقية
على الأقل فلنحمد الله على أننا نجد ما نفطر عليه بعد صيامنا مهما كان بسيطاً ومتواضعاً في نظرنا
احفظوا النعم ولا تهدروها ولا تبطروا بها كي ... تدوم
حافظوا على النعم واحمدوا الله عليها كي تدوم ولا تزول
***************
كتبت هذا الموضوع في رمضان الماضي و نشرته في منتدى سوري محلّي
و قد تصادف مع فيضانات باكستان
و يشاء الله أن يتصادف رمضان هذا العام مع كارثة المجاعة في الصومال
يا الله رحمتك - ملايين من إخواننا العرب مهدّدون بالموت جوعاً
و نحن نعيش البطر أشكالاً و ألواناً
رُحماك يا الله