كلام لا علاقة له بالأمور السياسية......(43)
الحسـد
داء يصيب من ينصاع لأوامر وشهوات نفسه الأمارة بالسوء, والمشحونة بالكراهية والبغضاء.
نهانا الله سبحانه وتعالى عن الحسد, والذي ورد ذكره في اربع آيات من القرآن الكريم, هي:
• وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوزْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير. (الآية 109 من سورة البقرة).
• أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا. (الآية 54من سورة النساء).
• سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلا. ( الآية 15 من سورة الفتح).
• وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ. ( الآية 5 من سورة الفلق).
وبعض أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيها عن الحسد, ومنها قوله:
• إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
• لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا يغتب بعضكم بعضاً.
• لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام.
• استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان, فإن كل ذي نعمة محسود.
• دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء.
• لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا.
• الحسد في اثنتين : رجل أتاه الله القرآن فأقام به فأحل حلاله وحرم حرامه. ورجل أتاه الله المال فوصل فيه أقاربه ورحمه وعمل بطاعة الله.
والامام علي كرم الله وجهه, عده أحد الأعداء السبعة لكل إنسان, وهم: جاهل يضل. وعدو يتمنى لغيره الهلاك, وجبان يهرب عند الحاجة, وبخيل لا يجود عند السؤال, وحسود يتمنى زوال النعمة, ومراء يتقلب مع ميول الناس, وذو هوى أسير هواه. والحاسد باختصار: إنسان لم يرضى بما قسمه الله تعالى له, وظالم لأنه آثر نفسه على غيره في كل أمر, وفاسد القلب, ولا ضمير له ولا إحساس, همه الاضرار بالناس. وقيل في الحسد الكثير, ومنها:
1. سقراط قال: ستة لا تفارقهم الكآبة: حقود, وحسود, ومحدث, نعمة, وبخيل يخاف الفقر, وطالب مرتبة يقصر قدرة عنها, وجليس أهل الأدب وليس منهم.
2. ولوران قال: مزايا العقل تخلق الحساد, ومزايا القلب تخلق الاصدقاء.
3. أثنان لا يجتمعان: القناعة والحسد.
4. الموبقات الثلاث: الحسد والحرص والكِبَر.
5. أثافي الذل: الحسد والكذب والنفاق.
والحسد يظهر بوضوح عند كل من يُفْرط كثيراً في الأنانية والكبرياء وحب الذات. لهذا فالحسد قرين الكفر, وعدو الحق, وحليف الباطل, منه تتوالد وتتكاثر العداوة والبغضاء, وهو سبب ومحدث كل قطيعة وفرقة بين الناس, وهو مفرق للجماعة, وقاطع كل رحم من الأرحام, وملقح كل شر بين الحلفاء وداء قاتل. ومن مظاهر الحاسد واعراض الحسد, التالي:
1. اغتمام الحاسد لوقت سرور حاسده. وفرح وسرور الحاسد بمصائب حاسده.
2. الحسود من الهم كساقي السم, فإن سرى سمه زال همه.
3. والأحنف بن قيس, قال: لا راحة لحسود, ولا مروءة لكذوب, ولا حيلة لبخيل, ولا وفاء للملوك, ولا سؤدد لسيء الخلق, ولا راد لقضاء الله.
4. في الحسد اثنتان: كمد عاجلي ثلم العقل, وكدر يعتري العيش, فالحسود تنكب القبائح التي يذمها غيره, وعاش في هم دائم وقلق لاحق.
5. إخراج الذهب من يد البخيل أسهل من إخراج الثناء من فم الحسود.
6. والجاحظ قال: الحسد داء ينهك الجسم , علاجه عسير, وصاحبه ضجر, ومسلك خفي يعسر الخروج منه. وما ظهر منه لا يداوى, وما بطن منه فمداويه في عناء.
7. الحسد يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود.
8. الحسد ينهش القلوب فيتركها أنقاضاً متهاوية.
9. الحسد حزن دائم, وبال هائم, وغصص دائم.
والحاسد يجب عليه أن يعلم أنه له عقوبات عديدة, ومن اهم هذه العقوبات:
1. يعاقب الحاسد بخمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود, وهي: سخط من الله, وغم لا ينقطع, ومصيبة لا يؤجر عليها, ومذمة لا يصبر عليها, ويغلق عنه باب التوفيق.
2. وقالو: ما أعدل الحسد فإنه بدأ بصاحبه فقتله.
3. وأرسطو قال: الحسود يأكل نفسه كما يأكل الصدأ الحديد.
4. وأكثر من شاعر وصف عقوبة الحاسد بأبيات من الشعر, قالوا فيها:
أيا حاسداً لي على نعمتي ****** أندري على من أسأت الأدب؟
أسأت على الله في حكمه ***** لأنك لم ترضى لي ما وهب.
فأخزاك ربي وأن زادني ******* وسد عليك وجوه الطلب.
كفاية الله خير من توقينا ***** وأمر الله في الماضيين يكفينا.
كاد الاعادي فلا والله ما تركوا **** قولاً وفعلاً وتلقيناً وتهجيناً.
ولم نزد نحن في سر وفي علن ***** على مقالتنا يا رب أكفينا.
فكان ذاك ورد الله حاسدنا ***** بغيظه, ولم ينل تقديره فينا.
أو ما رأيت النار تأكل نفسها *** حتى تعود إلى الرماد الهامد.
تضفو على المحسود نعمة ربه *** ويذوب من كمد فؤاد الحاسد.
أعطيت كل الناس من نفسي الرضا *** إلا الحسود فإنه أعياني.
لا أنا لي ذنباً لديه علمته ******* إلا تظاهر نعمة الرحمن.
يطوي على حنق حشاه إذا رأى *** عندي كمال غنى وفضل بيان.
مــا أرى يرضيه إلا ذلتي ******** وذهاب أموالي وقطع لساني.
لا تحسدن عبداً على فضل نعمة *** فحسبك عاراً أن يقال حسود.
وداء الحسد أختلف الحكماء والعلماء حول علاجه. ولهم بشأنه آراء متعددة, أهمها:
1. رأي يرى أنه داء لا دواء له ولا علاج. فقالوا: ليس لثلاث حيلة: فقر يخالطه كسل, وخصام يخامره حسد, ومرض يمازجه هرم.
2. رأي يرى أن علاج الحسد يكون بقمع الحاسد بالتوبيخ, والتصغير من قدره.
3. رأي يرى أن علاج الحسد يكون بالصبر عليه, وعبر عن هذا الرأي شاعر, بقوله:
أصبر على كيد الحسود ******** فإن صبرك قاتله.
فالنار تأكل بعضها ********إن لم تجد ما تأكله.
4. رأي يرى أن الاحسان إلى حسادك هو الأجدى, لأن ذلك يعذب حسادك.
5. والامام الشافعي رصي الله عنه, قال:
وداريت كل الناس لكن حاسدي ***** مدارته عزت وعز منالها.
وكيف يداري المرء حاسد نعمة ***** إذا كان لا يرضيه إلا زوالها.
6. وشاعر قال: كل العدوات قد ترجى مودتها** إلا عداوة من عادك عن حسد.
7. وشاعر قال: كل المصائب قد تمر على الفتى*** فتهون إلا شماتة الحساد.
8. وحكيم قال: ثلاث لا يصلح فسادهن بشيء من الحيل: العداوة بين الأقارب, وتحاسد الأكفاء, والركاكة في العقول.
9. وحكيم قال: شيئان يتحفظ العاقل منهما: مكر الأعداء, وحسد الأصدقاء.
الحسد جور وافتراء, و تشويه للحقائق. ووصف الشعراء ذلك بأبيات من الشعر, منها:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ******* فالناس أعداء لهم وخصوم.
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ********* حسداً وبغياً أنه لدميم.
وإذا أراد الله نشر فضيلة *********** طويت أتاح لها لسان حسود.
لولا اشتعال النار في جزل الغضا ***** ما كان يعرف طيب نفح العود.
وابو العلاء المعري حذر من خطر الحسد واضراره ومساوئه, ونصح الناس بقوله:
وما الخير صوم يذوب الصائمون له*** ولا صلاة ولا صوف على الجسد.
وإنما تركك الشر منطرحاً ********* ونفضك الصدر من غل ومن حسد.
يقولون بأن منبع الحسد إنما هو مقر النعمة. وأن الحسد والغرور وجهان لعملة واحدة, يخلقا الشقاق ويقتلا المحبة. فهما يقطنان ضعاف القلوب, وهما حصة التافهين في هذه الحياة.
أخترت الكتابة عن الحسد في هذا الوقت الذي تعيش فيه الأمتين العربية والإسلامية أخطر الأيام, وأحلك الظروف. والتي يعاني منها كل مسلم وعربي أشد وأسوأ ظروف المعاناة. فالحسد بعد تحالفه الاستراتيجي مع الحقد والكذب والنفاق, بات له اليد الطولى في كل ما تعانيه بعض الأمم والمجتمعات. فإن كان للحسد من دور مؤثر في مجتمعات متخلفة, أو مجتمعات تعبد الأوثان والأصنام له ما يبرره, فإن وجوده وتناميه ليس له من مبرر بين من يدعون الايمان بالله , أو يتطوعون ويكافحون لنشر قيم الحرية والديمقراطية في دول ومجتمعات, أو بين بعض المسؤولين والوزراء والقادة والرؤساء, أو بين زعماء وقوى وفصائل المعارضات, أو بين من يدعون أنهم مثقفون ونخب. فالحسد داء عضال يفكك ويجزئ الدول والمجتمعات. ويزبد من شهية القوى الكبرى لاحتلال هذه الدول, بذريعة إعادة تأهيلها من جديد, وقد تنهار هذه الدول من تلقاء ذاتها بدافع التناحر و تعميق الصراعات. وسيَدفع بالمجتمعات طوعاً أو كرهاً إلى الفرقة والتشرذم والانحلال. فالحسد حرمه الله, و هو نفاق وجهل وعيب وخزي وعار. وربما هو أحدى مصائب بعض المجتمعات والدول.
جاء الاسلام ليضع حداً لعادات الجاهلية وشهواتها ودوافعها المرضية والمنحرفة والشاذة, فكيف يليق بمن يدعي الايمان بالله أن يزرع وينمي أو يهجن هذه الآفات التي حرمها الله, وتصدى لها ولشرورها الرسل والأنبياء. فالحسد كان الحافز لقابيل أبن آدم على قتل أخيه هابيل. والحسد كان السبب الذي دفع بأخوة يوسف عليه السلام ليلقوه في غيابات الجب.
ليت كل منا يُطهر نفسه وقلبه من أدران وعادات الجاهلية, وأمراضها الخبيثة. والتي منها الحسد رأس الشر والبلاء. ويتمعن جيداً بما ورد عنه في كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وينقي قلبه من كل ظواهر الحسد والحقد والكراهية والبغضاء. ويسارع ليلتزم بكل ما أمر به الله, ولا يسلك طريقاً حرمه الله أو نهى الرسل والأنبياء وخاتم الرسل والأنبياء النبي محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. لأنه طريق يقود إلى الكفر والنفاق والضلال.
والسؤال: هل ستتقدم الدول أو المجتمعات قيد أنملة على مسرح الحياة, مهما تبدلت حكومات وأنظمة وحكام, أو قدمت الكثير من التضحيات والشهداء, طالما بقي الحسد في نفوس الناس يحيا بأمن وأمان ويرتع ويسرح ويمرح كما يحلوا له, ويقيم الاحلاف والتحالفات مع الكذب والحقد والنفاق والجهل والجور والجشع وانعدام حس المسؤولية وحب الذات؟
الأثنين: 9/11/2013م العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
burhansyria@yahoo.com
bkburhan@hotmail.com
الحسـد
داء يصيب من ينصاع لأوامر وشهوات نفسه الأمارة بالسوء, والمشحونة بالكراهية والبغضاء.
نهانا الله سبحانه وتعالى عن الحسد, والذي ورد ذكره في اربع آيات من القرآن الكريم, هي:
• وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوزْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير. (الآية 109 من سورة البقرة).
• أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا. (الآية 54من سورة النساء).
• سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلا. ( الآية 15 من سورة الفتح).
• وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ. ( الآية 5 من سورة الفلق).
وبعض أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيها عن الحسد, ومنها قوله:
• إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
• لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا يغتب بعضكم بعضاً.
• لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام.
• استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان, فإن كل ذي نعمة محسود.
• دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء.
• لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا.
• الحسد في اثنتين : رجل أتاه الله القرآن فأقام به فأحل حلاله وحرم حرامه. ورجل أتاه الله المال فوصل فيه أقاربه ورحمه وعمل بطاعة الله.
والامام علي كرم الله وجهه, عده أحد الأعداء السبعة لكل إنسان, وهم: جاهل يضل. وعدو يتمنى لغيره الهلاك, وجبان يهرب عند الحاجة, وبخيل لا يجود عند السؤال, وحسود يتمنى زوال النعمة, ومراء يتقلب مع ميول الناس, وذو هوى أسير هواه. والحاسد باختصار: إنسان لم يرضى بما قسمه الله تعالى له, وظالم لأنه آثر نفسه على غيره في كل أمر, وفاسد القلب, ولا ضمير له ولا إحساس, همه الاضرار بالناس. وقيل في الحسد الكثير, ومنها:
1. سقراط قال: ستة لا تفارقهم الكآبة: حقود, وحسود, ومحدث, نعمة, وبخيل يخاف الفقر, وطالب مرتبة يقصر قدرة عنها, وجليس أهل الأدب وليس منهم.
2. ولوران قال: مزايا العقل تخلق الحساد, ومزايا القلب تخلق الاصدقاء.
3. أثنان لا يجتمعان: القناعة والحسد.
4. الموبقات الثلاث: الحسد والحرص والكِبَر.
5. أثافي الذل: الحسد والكذب والنفاق.
والحسد يظهر بوضوح عند كل من يُفْرط كثيراً في الأنانية والكبرياء وحب الذات. لهذا فالحسد قرين الكفر, وعدو الحق, وحليف الباطل, منه تتوالد وتتكاثر العداوة والبغضاء, وهو سبب ومحدث كل قطيعة وفرقة بين الناس, وهو مفرق للجماعة, وقاطع كل رحم من الأرحام, وملقح كل شر بين الحلفاء وداء قاتل. ومن مظاهر الحاسد واعراض الحسد, التالي:
1. اغتمام الحاسد لوقت سرور حاسده. وفرح وسرور الحاسد بمصائب حاسده.
2. الحسود من الهم كساقي السم, فإن سرى سمه زال همه.
3. والأحنف بن قيس, قال: لا راحة لحسود, ولا مروءة لكذوب, ولا حيلة لبخيل, ولا وفاء للملوك, ولا سؤدد لسيء الخلق, ولا راد لقضاء الله.
4. في الحسد اثنتان: كمد عاجلي ثلم العقل, وكدر يعتري العيش, فالحسود تنكب القبائح التي يذمها غيره, وعاش في هم دائم وقلق لاحق.
5. إخراج الذهب من يد البخيل أسهل من إخراج الثناء من فم الحسود.
6. والجاحظ قال: الحسد داء ينهك الجسم , علاجه عسير, وصاحبه ضجر, ومسلك خفي يعسر الخروج منه. وما ظهر منه لا يداوى, وما بطن منه فمداويه في عناء.
7. الحسد يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود.
8. الحسد ينهش القلوب فيتركها أنقاضاً متهاوية.
9. الحسد حزن دائم, وبال هائم, وغصص دائم.
والحاسد يجب عليه أن يعلم أنه له عقوبات عديدة, ومن اهم هذه العقوبات:
1. يعاقب الحاسد بخمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود, وهي: سخط من الله, وغم لا ينقطع, ومصيبة لا يؤجر عليها, ومذمة لا يصبر عليها, ويغلق عنه باب التوفيق.
2. وقالو: ما أعدل الحسد فإنه بدأ بصاحبه فقتله.
3. وأرسطو قال: الحسود يأكل نفسه كما يأكل الصدأ الحديد.
4. وأكثر من شاعر وصف عقوبة الحاسد بأبيات من الشعر, قالوا فيها:
أيا حاسداً لي على نعمتي ****** أندري على من أسأت الأدب؟
أسأت على الله في حكمه ***** لأنك لم ترضى لي ما وهب.
فأخزاك ربي وأن زادني ******* وسد عليك وجوه الطلب.
كفاية الله خير من توقينا ***** وأمر الله في الماضيين يكفينا.
كاد الاعادي فلا والله ما تركوا **** قولاً وفعلاً وتلقيناً وتهجيناً.
ولم نزد نحن في سر وفي علن ***** على مقالتنا يا رب أكفينا.
فكان ذاك ورد الله حاسدنا ***** بغيظه, ولم ينل تقديره فينا.
أو ما رأيت النار تأكل نفسها *** حتى تعود إلى الرماد الهامد.
تضفو على المحسود نعمة ربه *** ويذوب من كمد فؤاد الحاسد.
أعطيت كل الناس من نفسي الرضا *** إلا الحسود فإنه أعياني.
لا أنا لي ذنباً لديه علمته ******* إلا تظاهر نعمة الرحمن.
يطوي على حنق حشاه إذا رأى *** عندي كمال غنى وفضل بيان.
مــا أرى يرضيه إلا ذلتي ******** وذهاب أموالي وقطع لساني.
لا تحسدن عبداً على فضل نعمة *** فحسبك عاراً أن يقال حسود.
وداء الحسد أختلف الحكماء والعلماء حول علاجه. ولهم بشأنه آراء متعددة, أهمها:
1. رأي يرى أنه داء لا دواء له ولا علاج. فقالوا: ليس لثلاث حيلة: فقر يخالطه كسل, وخصام يخامره حسد, ومرض يمازجه هرم.
2. رأي يرى أن علاج الحسد يكون بقمع الحاسد بالتوبيخ, والتصغير من قدره.
3. رأي يرى أن علاج الحسد يكون بالصبر عليه, وعبر عن هذا الرأي شاعر, بقوله:
أصبر على كيد الحسود ******** فإن صبرك قاتله.
فالنار تأكل بعضها ********إن لم تجد ما تأكله.
4. رأي يرى أن الاحسان إلى حسادك هو الأجدى, لأن ذلك يعذب حسادك.
5. والامام الشافعي رصي الله عنه, قال:
وداريت كل الناس لكن حاسدي ***** مدارته عزت وعز منالها.
وكيف يداري المرء حاسد نعمة ***** إذا كان لا يرضيه إلا زوالها.
6. وشاعر قال: كل العدوات قد ترجى مودتها** إلا عداوة من عادك عن حسد.
7. وشاعر قال: كل المصائب قد تمر على الفتى*** فتهون إلا شماتة الحساد.
8. وحكيم قال: ثلاث لا يصلح فسادهن بشيء من الحيل: العداوة بين الأقارب, وتحاسد الأكفاء, والركاكة في العقول.
9. وحكيم قال: شيئان يتحفظ العاقل منهما: مكر الأعداء, وحسد الأصدقاء.
الحسد جور وافتراء, و تشويه للحقائق. ووصف الشعراء ذلك بأبيات من الشعر, منها:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ******* فالناس أعداء لهم وخصوم.
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ********* حسداً وبغياً أنه لدميم.
وإذا أراد الله نشر فضيلة *********** طويت أتاح لها لسان حسود.
لولا اشتعال النار في جزل الغضا ***** ما كان يعرف طيب نفح العود.
وابو العلاء المعري حذر من خطر الحسد واضراره ومساوئه, ونصح الناس بقوله:
وما الخير صوم يذوب الصائمون له*** ولا صلاة ولا صوف على الجسد.
وإنما تركك الشر منطرحاً ********* ونفضك الصدر من غل ومن حسد.
يقولون بأن منبع الحسد إنما هو مقر النعمة. وأن الحسد والغرور وجهان لعملة واحدة, يخلقا الشقاق ويقتلا المحبة. فهما يقطنان ضعاف القلوب, وهما حصة التافهين في هذه الحياة.
أخترت الكتابة عن الحسد في هذا الوقت الذي تعيش فيه الأمتين العربية والإسلامية أخطر الأيام, وأحلك الظروف. والتي يعاني منها كل مسلم وعربي أشد وأسوأ ظروف المعاناة. فالحسد بعد تحالفه الاستراتيجي مع الحقد والكذب والنفاق, بات له اليد الطولى في كل ما تعانيه بعض الأمم والمجتمعات. فإن كان للحسد من دور مؤثر في مجتمعات متخلفة, أو مجتمعات تعبد الأوثان والأصنام له ما يبرره, فإن وجوده وتناميه ليس له من مبرر بين من يدعون الايمان بالله , أو يتطوعون ويكافحون لنشر قيم الحرية والديمقراطية في دول ومجتمعات, أو بين بعض المسؤولين والوزراء والقادة والرؤساء, أو بين زعماء وقوى وفصائل المعارضات, أو بين من يدعون أنهم مثقفون ونخب. فالحسد داء عضال يفكك ويجزئ الدول والمجتمعات. ويزبد من شهية القوى الكبرى لاحتلال هذه الدول, بذريعة إعادة تأهيلها من جديد, وقد تنهار هذه الدول من تلقاء ذاتها بدافع التناحر و تعميق الصراعات. وسيَدفع بالمجتمعات طوعاً أو كرهاً إلى الفرقة والتشرذم والانحلال. فالحسد حرمه الله, و هو نفاق وجهل وعيب وخزي وعار. وربما هو أحدى مصائب بعض المجتمعات والدول.
جاء الاسلام ليضع حداً لعادات الجاهلية وشهواتها ودوافعها المرضية والمنحرفة والشاذة, فكيف يليق بمن يدعي الايمان بالله أن يزرع وينمي أو يهجن هذه الآفات التي حرمها الله, وتصدى لها ولشرورها الرسل والأنبياء. فالحسد كان الحافز لقابيل أبن آدم على قتل أخيه هابيل. والحسد كان السبب الذي دفع بأخوة يوسف عليه السلام ليلقوه في غيابات الجب.
ليت كل منا يُطهر نفسه وقلبه من أدران وعادات الجاهلية, وأمراضها الخبيثة. والتي منها الحسد رأس الشر والبلاء. ويتمعن جيداً بما ورد عنه في كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وينقي قلبه من كل ظواهر الحسد والحقد والكراهية والبغضاء. ويسارع ليلتزم بكل ما أمر به الله, ولا يسلك طريقاً حرمه الله أو نهى الرسل والأنبياء وخاتم الرسل والأنبياء النبي محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. لأنه طريق يقود إلى الكفر والنفاق والضلال.
والسؤال: هل ستتقدم الدول أو المجتمعات قيد أنملة على مسرح الحياة, مهما تبدلت حكومات وأنظمة وحكام, أو قدمت الكثير من التضحيات والشهداء, طالما بقي الحسد في نفوس الناس يحيا بأمن وأمان ويرتع ويسرح ويمرح كما يحلوا له, ويقيم الاحلاف والتحالفات مع الكذب والحقد والنفاق والجهل والجور والجشع وانعدام حس المسؤولية وحب الذات؟
الأثنين: 9/11/2013م العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
burhansyria@yahoo.com
bkburhan@hotmail.com