مـاذا عـن الأســـد .. ســؤال إيـرانـي يـربـك حـسـابـات أردوغـان وحـلـفـاؤه
تلعب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها دوراً غامضاً في التطورات الإقليمية التي تحدث بالمنطقة الآن، كونها تتبنى مواقف مختلفة ومتناقضة إلى حد ما بخصوص ما يحدث في الشرق الأوسط وخصوصاً سورية والعراق، فالأتراك دخلوا في لعبة سياسية جديدة، وذلك من خلال موافقة البرلمان التركي على مذكرة تفويض لتدخل الجيش التركي في سورية والعراق بحجة محاربة داعش، وقد واجهت هذه الخطوة رد سوري وإيراني وروسي، اللذان عبرا عن قلقهما من العمليات العسكرية التركية المحتملة في سورية، وإتهامهما تركيا بالتواطؤ مع تنظيم داعش، وعاملاً أسياسياً في تشكيل التنظيم، وذلك من خلال فتح الحدود أمام مقاتلي التنظيم، لدخول الأراضي السورية، ومعالجتها جرحى تنظيم داعش في مستشفياتها، وتوفير الدعم اللوجستي للتنظيم.
ترى الولايات المتحدة وروسيا وإيران في تنظيم الدولة عدواً مشتركاً لكنهما يعجزان عن التغلب على الشكوك العميقة المتبادلة والإتفاق على كيفية معالجة هذا الخطر معاً، هذا ما يستبعد أي دور لموسكو وإيران في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة على التنظيم، فروسية وإيران تشكان أن واشنطن عاقدة العزم على عزل حليفهما الرئيس الأسد، أما واشنطن فترفض بحث إمكانية العمل المشترك ما دامت روسيا وإيران تصران على أن الضربات الأمريكية تحتاج لموافقة سورية والأمم المتحدة، ومن ناحية أخرى تؤيد واشنطن مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة الذين يسعون للإطاحة بالأسد الذي من المرجح أن يلعبوا دوراً محورياً في أي عملية برية مستقبلاً داخل سورية، وتحذر موسكو منذ مدة طويلة من النتائج العكسية المحتملة للدعم الأمريكي لقوات المعارضة المناهضة للأسد في الحرب السورية، وزادت هذه المخاوف بسبب خطط توسيع التدريب الأمريكي للمعارضة وتسليحها، في حين أن ذلك يغلق كل أبواب التعاون بين هذه الأطراف.
واليوم تركت القيادة التركية مرحلة الصمت، وقررت الدخول بكل ثقلها المالي والعسكري والسياسي في الأزمة السورية، والتصدي بكل الطرق لصعود النفوذ الإيراني والروسي في المنطقة، حيث تمسكت بموقفها في إسقاط نظام الأسد، طبعا كما نعلم الهدف الأساسي من ذلك هو رفع مكانتها وتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، فالأزمة السورية أدت إلى زيادة التوتر بين تركيا والدول الأخرى التي تدعم الحكومة السورية في المنطقة، لكن موقفها هذا لم يحظ بالدعم من الداخل، حيث إجتمع الآلاف من المواطنين الأتراك في إسطنبول إحتجاجاً على التدخل العسكري ضد سورية، كما يرى الكثير منهم أن قرار شن عملية عسكرية ضد سورية لم يجلب لتركيا إلا توتراً في علاقاتها الدولية وعدم الرضى من قبل المواطنين الأتراك، وهناك نقطة أخرى شديدة الحساسية تتعلق بموقف الأكراد الرافض دخول الجيش التركي مناطقهم في سورية والعراق، والرافض القبول بالشروط التركية المتمثلة في تغيير موقفهم من نظام الرئيس الأسد، فالأتراك ينتظرون مناشدة أو دعوة كردية لإنقاذ عين العرب ( كوباني ) وبقية مناطق وجودهم في سورية، كما إنهم ينتظرون دعوة من التحالف للدخول من أجل أن يتسم التدخل في سورية بغطاء تحالف دولي واسع، يمنحه مشروعية الأمر الواقع، وبالنسبة إلى أنقرة، فإن الدعوة أو المناشدة من هاتين الجهتين تعنيان قبولاً بالمقترح التركي الذي يربط بين محاربة " داعش " وإقامة منطقة عازلة على الحدود، وإسقاط نظام الأسد، ربطاً محكماً، ويجعل منها خريطة طريق تلتقي في جانب أساسي منها مع وجهة النظر الخليجية، وفي إطار ذلك، يمكنني القول بأن إقدام تركيا على إدخال قواتها العسكرية للأراضي السورية ولو بذريعة تأمين حماية لقبر سليمان شاه سيكون لها عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها، وفي حال حصول ذلك فإن تركيا ستدفع ثمناً باهظاً، سيرتد مباشرة على الإقتصاد التركي، وسيتسبب بحريق يلتهم المنطقة ويزيد من تأزمها، وأولها تركيا نفسها، ولعل الهاجس الأبرز الذي تخشاه تركيا، هو الموقف الكردي جراء إنخراطها في عدوان مباشر ضد سورية، رغم رغبة تركيا في إزالة أي وجود للأكراد من كوباني، الذين ترى فيهم فرعاً آخراً لحزب العمال الكردستاني، إلا أنها تخشى أن تطيح خطوتها بجهود تسوية الأزمة الكردية في تركيا، وهو ما حذّر منه عبد الله أوجلان، العدوان التركي على سورية سيعيد تركيا إلى نقطة الصفر، وسيدفع الأكراد للتحالف مع سورية وإيران.
في سياق التساؤل عن مستقبل الأسد وسط هذه التطورات، وفي ظل هذه الفوضى وتعاظم إرهاب داعش والمليشيات المسلحة من شأنها أن تصب الزيت على النار ويؤدي إلى تفجر براكين الإرهاب في المنطقة، فلدى الولايات المتحدة وتركيا رغبة وحلم في أن يستيقظان يوماً دون أن يجدا نظام الأسد على قيد الحياة السياسية، إلا أن سوء تقديرهما التي صاحبت الأزمة السورية والتي بالنتيجة تمخضت عن ظاهرة داعش وتهديده الدولي، الأمر الذي إعترفت به الولايات المتحدة على لسان الرئيس الأمريكي، فرض على واشنطن أن تبدي حرصاً على بقاء وإستمرار نظام الأسد أكثر من حرصها على إسقاطه والتخلص منه، ولعل تجربة ومخاضات تورطها في العراق ماثلة أمامها وهي بذلك تخشى تكرار ذات السيناريو في سورية وهو إن حصل سيعاظم من تفاقم الوضع الأمر الذي لا ترغبه واشنطن سيما وأنه يحمل تبعات سيؤدي بها إلى التورط المباشر المكلف بشرياً ومادياً، الأمر الذي لا تريده وهي التي تجر أذيال الهزيمة من مستنقعات حروبها في الشرق أوسطية.
في كل تلك الأثناء، باتت سورية مسرحاً لمجازر وقودها حرب غير مباشرة بين عدة دول إقليمية ودولية منها أمريكا وتركيا ودول الخليج وروسيا وإيران، والحوار بينهما سيكون أكثر فعالية لوقف دائرة العنف والفوضى، وسيكون من الأفضل أن يتركز طموح واشنطن على إنهاء القتل والتدمير والخراب في سورية، كما أنه عليها الضغط على حلفاؤها في المنطقة " المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا " لوقف دعمهما للإسلاميين المتشددين، وإذا لم يتم ذلك، فإنّ ألسنة اللهب التي تكوي سوريا ستنتقل هبوبها قريباً إلى الغرب.
وأخيراً أختم مقالي بالقول إن الرئيس التركي وضع يده بيد الغرب وحلفاؤه، ولم يفعل ذلك إلا بعد إتفاقه معه على كل التفاصيل، ومن أهم شروط هذا الإتفاق سورية بدون الرئيس الأسد، بعد أن تحول خلاف الرئيس أردوغان مع الأسد إلى ثأر شخصي، فهل يحصل على ما يريد ويحقق حلمه، خاصة أن إيران رغم إنفتاحها على الغرب وقيامها بالإتفاق الجزئي حول ملفها النووي متمسكةً بالأسد تمسكاً لا يتزحزح، وعلى الجانب الآخر فإنّ روسيا تدعم الأسد بقوة، كما أن الصين تضع ثقلها معه في مواجهة أية ضربة عسكرية، في ظل وضع إقليمي معقد، فيما يبدو أنّ هناك ما يشبه الحرب الباردة خلف الكواليس بين أمريكا وروسيا، خصوصاً أن الأخيرة تسعي منذُ سنوات لإستعادة دور الإتحاد السوفيتي، وفي وقت سابق كانت روسيا قد صرحت بأن العالم يجب ألا يكون أحادي الإتجاه، في إشارة منها إلى التدخل الأمريكي في دول العالم دون وجود من يردعها.
الدكتور خيام محمد الزعبي - صحفي وكاتب أكاديمي في العلوم السياسية
صفحة : جنود الحقيقة :: Soldiers of truth