" أصابعي ضَجرةٌ من بعضها وحاجباي خصمان مُتقابلان "
تلك العبارة : أبدعها الماغوط في واحدة من حالات الخصب لديه، وهو لا ينفك في الانتقال من حالة إلى أخرى، فمسامات جلدة تهتف بصمت : " ها أنا ذا مرتع لتربة خصبة "، والمشكلة .. أنه : وُلد شاعراً، تتفجّر الأحاسيس في كيانه وتنضج الأفكار في ذهنه بقدر حجم المعضلة، فيكلّ الاحساس منه ويصل إلى مرحلة يكاد أن يختنق فيه .. فيقول : " ألتفّ حول قصائدي كالذيل " .. وربّما يلتفّ الذيل حول عنقه .. لكنّه ما زال ينبض ويحسّ لينشد الحريّة، ويناجي محبوبته ( ليلى ) التي تاهت منه منذ زمن، ودأب يبحث عنها في مكان لانهاية له. لقد فقد الأمل في ( أوراق الخريف ) .. وهي التي حملت في طيّاتها نثره وأشعاره تلك الأوراق الرثة، الرّطبة، كما غرفته العفنة وغربته عن ليلى .. جوعه، تشرّده، وحرمانه .. لقد كانت ملاذه الوحيد هرباً من الأنين الخانع خلف القضبان الصّامتة.
وهكذا نطق في ديوان حزنه ( الفرح ليس مهنتي )، وراح يطرق أبواباً أخرى عسى أن يمهّد الطريق إليها، فكتب الرّواية والقصة والمسرحيّة وأعمالاً شتّى كلها من صميم الواقع الجريح، وكان الهدف أن تتسرّب العبرة منها دون حشرجة لتعشّش في أعماقنا، تضحكنا وتبكينا، تجرحنا وتداوينا، تثيرنا فتنعش الرّوح الوطنيّة فينا، تعلّمنا الأمل والثّورة لمجد الحقّ والأمّة.
من هنا وابتداءً من الماغوط الشّاعر الذي قدّمه ( أدونيس ) في أحد اجتماعات مجلّة ( شعر ) حين قرأ بعض نتاجه الشعري الرّخيم وإلى ما هنالك من أعمال قصصية ومسرحيّة على الصعيدين :
العام ( مسرحية العصفور الأحدب - المهرّج )، والخاص ( ضيعة تشرين - غربة - كاسك يا وطن - شقائق النّعمان )
من هنا .. مذ تحرّك في كيانه الضّمير وانصهرت في وجدانه الغربة عن الوطن .. مذ تألّم .. وتطاول بلسان الحقّ، وانتهاءً بما آلت إليه روحه الطّاهرة، فما زال ينادي نداء استغاثة للتمسّك بأيّ خيط من خيوط الصدق والإيمان بالوطن.
مجلة الإذاعة والتلفزيون - سوزي واكيم