(( بسم الله الرحمن الرحيم ))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
عندما نقرأ أن 90 % من الفرنسيات يفضلن البقاء في بيوتهن على العمل ( وفقاً لمجلة ماري كير الفرنسية )
وعندما نسمع أن ( 47 % ) من الروس يرون أنَّ المرأة يجب ألا تعمل إذا كان
وضعها المالي أو وضع شريكها يسمحان بذلك.. وفقاً لاستطلاعٍ الرأي الذي
أجراه معهد الرأي ونشرت نتائجه وكالة " إيتار تاس “ الروسيّة للأنباء في
السادس من مارس 2000
وعندما تشير دراسات أذاعتها وكالات الأنباء
الغربيّة تبين أنه وخلال عامين اثنين ( 89 و 90 ) هجرت مئات النساء
العاملات في ولاية واشنطن أعمالَهن وعُدْنَ للبيت .
وعندما نلحظ بشكل
واضح الضغط الكبير التي تعانيه الأم الموظفة في بلادنا .. والتي تعمل في
النهار لخدمة مجتمعها وفي المساء لخدمة بيتها وأطفالها .. مقابل الرجل الذي
يعمل في النهار فقط .. كما أوضحته في مقال سابق بعنوان ( ظلم الموظفات )
وعندما نستشعر حاجة الأطفال الملحة إلى حنان أمهم وخاصة في هذا الزمن الصعب ..
وفي المقابل عندما يضطرنا الواقع إلى مشاركة المرأة في العمل لحاجة مجتمعها ..
وخصوصاً في الطب والتمريض والتعليم وغيرها .. أو لحاجتها هي للمال وخاصة
المطلقات والأرامل ..
كل ذلك يدعونا إلى إعادة النظر في واقع عمل الأمهات
في مجتمعاتنا .. ولا يجوز لنا بحال من الأحوال إغفال تلك الحقائق أو تجاهل
تلك النداءات الغربية والشرقية التي تحكي معاناة الأم العاملة..
يجب أن نكون أكثر صراحة في موضوع عمل الأمهات ..
قد يظن البعض أن قضية عمل الأمهات مجرد قضية محلية .. لكن مما سبق يتبين لنا أن القضية تشكل هم عالمي مشترك ..
ولكن وللأسف فإن العالم لا يزال يدور في حلقة مفرغة .. ولا يوجد توجه صادق إلى
إيجاد حلول جادة .. بسبب تعنت كبير من أرباب الاقتصاد الرأسماليين الذين
ينظرون إلى المرأة كرقم إنتاجي يزيد في الانتاج .. ويدفعون بالأم للمشاركة
في إنتاج السلع .. وينسون دورها الأساسي في صناعة الإنسان ..
لذلك فإنني أتقدم هنا بمقترحٍ سبقني إليه البعض في عمل الأمهات من منظور تربوي اجتماعي اقتصادي وليس من منظور شرعي.
وقبل أن أذكر المقترح فهناك مقدمات لا بد منها وهي :
ـ لا يمكن لعاقل أن يمنع خروج كل النساء للعمل .. لأن هناك حاجة ماسة لمشاركة
بعض النساء في العمل خارج البيت .. مثل التطبيب والتعليم وغيره ..
وأحياناً تكون الحاجة هي حاجة المرأة للمال مثل المطلقة والأرملة .. أوحاجة نفسية بسبب الفراغ مثل المرأة العانس أو العقيم ..
ـ يجب أن نحدد معنى الحاجة .. فلا يمكن أن نقارن حاجة امرأة أرملة ولا تجد من يعولها بحاجة أمرأة متزوجة .
ـ أن تربية الأبناء هو عمل لا يقل أهمية عن العمل خارج البيت.وحاجة الطفل إلى الأمان والحنان ,, اشد من حاجته إلى كماليات الحياة .
المقترح هـو :
أن نستحدث نظاماً وظيفيا جديداً يتناسب مع حاجيات المرأة والتزاماتها ويراعي
المرأة زوجةً والمرأة أمّاً .. من خلال تقليص ساعات العمل إلى نصف دوام أو أقل أو أكثر .. بنصف الراتب أو أقل أو أكثر.
( أي أن تعمل الأم ثلاث أو أربع ساعات في اليوم .. أو أن تعمل لمدة يومين أو ثلاثة في الأسبوع ).
ولهذا المقترح فـوائد كثيرة :
1 ـ أولها وهو مربط الفرس أن يخف الضغط على الأم لتكون أكثر قدرة على متابعة بيتها وأطفالها .
2 ـ أننا بهذه الطريقة سنتمكن من مضاعفة العدد من الوظائف الشاغرة .. فلو كان لدينا على سبيل المثال مئتا ألف معلمة فإن هذا المقترح يتيح توظيف قرابة أربعمائة ألف معلمة..
3 ـ أننا بهذه المقترح سنساهم في تقليص تسرب الكثير من الخبرات النسائيةاللاتي اضطررن لترك أعمالهن بسبب طول ساعات العمل .. مقابل إلتزاماتهن المنزلية.
4 ـ أن هذا المقترح يساهم في التقليل من الاضطرابات النفسية والعدوانية التي يعاني منها أبناء الموظفات بسبب الفراغ العاطفي الناجم عن انشغال الوالدين عن الطفل، وإيكاله للخادمة.
تقول الخبيرة الاجتماعية الأمريكية الدكتورة إيدا إلين :
( إن التجارب أثبتت ضرورة لزوم الأم لبيتها، وإشرافها على تربية أولادها، فإن الفارق الكبير بين المستوى الخلقي لهذا الجيل والمستوى الخلقي للجيل الماضي إنما مرجعه إلى أن الأم هجرت بيتها، وأهملت طفلها وتركته إلى من لا يحسن تربيته ).
5 ـ أننا بهذه الطريقة نراعي حاجيات الأم النفسية، لذلك لن نعجب من ( فبراندا بارنيس ) عندما قررت التخلى عن وظيفتها كرئيسة تنفيذية لشركة ( بيبسي كولا ) في بريطانيا وعن راتب سنوي قدره مليونا دولار، لأنها توصلت إلى قناعة أن المنزل هو مكانها الطبيعي الأكثر انسجاما مع فطرتها وتكوينها ..
وتعترف قائلة : ( لم أترك العمل بسبب حاجة أبنائي لي بل بسبب حاجتي لهم ).
6 ـ تضييق الفجوة الاجتماعية الاقتصادية الناجمة عن تضاعف الدخل المادي في بعض البيوت بسب وظيفتي الأم والأب.. مما ينهك أصحاب البيوت التي يعمل فيها
الأب فقط.
7 ـ أن هذا الأسلوب يساهم في تزويد المجتمع بطاقات متجددة .. فالمرأة التي تعمل نصف اليوم ستكون أعلى إنتاجية ممن تعمل طوال اليوم .. ولا شك أن أنتاجية الموظف تكون على أعلى مستوياتها في الساعات الأولى من العمل .. ووفقاً لجريدة الرياض في عددها الصادر في 21 / 11 /1431 هـ
أن إنتاجية الموظف السعودي تصل إلى قرابة ثلاث ساعات يومياً فقط .. سواء قلت ساعات عمله أو قصرت ..
هذا يعني أن هذا المقترح يرفع الإنتاجية إلى ضعفين لأنه يبدل الموظف بموظفين إثنين ..
لذلك حتى ولو كان هذا المقترح يكلف الكثير .. لكنه في المقابل ينتج لنا الكثير ..
** واقعنا يختلف عن واقع الغرب **
8 ـ من الأمور التي يجب أن نضعها في الاعتبار عند مقارنة واقعنا بالمجتمعات الأخرى هو :
ـ أن ديننا يقرر أن الرجل هو من يجب عليه الإنفاق على المرأة وعلى الأطفال .. وعلى ذلك ليس من العدل أن يكون راتب المرأة مساوياً تماماً لراتب الرجل.
ـ كما أن واقعنا بل إن الفطرة تحتّم أن تكون الأم هي من يعتني بالأطفال بسبب قدرتها وطبيعتها .. لذلك ليس من العدل أن نكلِّفها بعمل مضنٍ في البيت وعملٍ شاقٍ آخر خارج البيت.
إذاً .. هذا النظام الوظيفي المقترح هو في الحقيقة يعالج مشكلتين :
ـ مشكلة زيادة راتب بعض النساء عن حاجتهن .
ـ ومشكلة تكليف المرأة بما لا يطاق من أعمال عائلية ومجتمعية.
** أيهما يكلفنا أكثر خروج الأم من بيتها أم بقاءها ؟ **
9 - لنا أن نتساءل .. أيها القارئ الكريم عن حقيقة التنمية التي ينشدها دعاة المساواة في الفرص بين الرجل والمرأة !
هم يتحدثون أن غياب المرأة عن سوق العمل يكلفنا الكثير .. وفي المقابل نتناسى بأن خروج المرأة للعمل يكلفنا الكثير أيضاً ..
وإذا أردنا ان نحكم على الجدوى الاقتصادية لعمل المرأة فينبغي أن نوازن بين الدخل مقابل الصرف ..
فإن الإحصائيات تشير بأن السعودية تضم أكثر من 750 ألف خادمة وقرابة 250 ألف سائق ! هذا العدد الضخم ما هو سببه ؟
لا شك أن خروج المرأة من بيتها هو واحد من أهم الأسباب .
كما أن المرأة العاملة تضطر إلى الاستهلاك في اللبس والزينة بسبب كثرة خروجها.
بل إن المراقب لواقع أسواقنا المحلية وضخامتها وسرعة انتشارها يلحظ التالي :
ـ أن تلك الاسواق الضخمة تعج بالكماليات والزينات التي لا حاجة للمجتمع إليها .
ـ أن هناك اندفاع من المجتمع على تلك الأسواق برغم تذمره من غلاء الأسعار ونقص كبير في الحاجيات الضرورية .
ـ ولو دققنا في محتوى تلك الأسواق لوجدنا معظمها تعنى بالحاجيات النسائية بدرجة أولى ثم الأطفال والمطاعم ومحلات الحلويات .. ولن أكون مبالغاً إذا قلت أنه من النادر أن تجد فيها محلّاً للمستلزمات الرجالية .
ـ إن هذه الظاهرة تدل على أن هناك قوة شرائية نسائية في بلادنا .. هذه القوة نجمت عن أسباب كثيرة .. ولا شك أن كثرة خروج الموظفات هو واحد منها.
كما يجب أن نعترف أن بعض الموظفات ـ وهن قلّة ـ بسبب وجود من يكفلها من أب أو زوج أو ابن فإنها تبالغ في شراء الكماليات ..! وهذا من حقها ! .. ولكن ولأسباب اجتماعية فإن عدوى المنافسة على الكماليات تتنقل بين أخريات .. الأمر الذي ينهك ميزانية البيوت التي لا يوجد فيها موظفة.
10 ـ هذا الاقتراح لا يلزم منه المنع التام لمن تريد العمل بدوام كامل .. بل تتاح الفرصة لمن أرادت ذلك مثل الكبيرة في السن التي كبر أبناءها والمرأة العقيمة والعانس
والمطلقة والأرملة والفقيرة أو المرأة العالمة التي يحتاجها المجتمع .
كما أن هناك وظائف يصعب فيها تطبيق الدوام الجزئي مثل وظيفة المدير والرئيس وغيرها ..
11 ـ قضية الأرملة والمطلقة تحتاج إلى وقفة صادقة من الحكومات .. وإذا كنا نطالب بتخفيف العبء على الزوجة الموظفة لتتفرغ لأطفالها .. رغم وجود زوجها .. فمن باب أولى المطالبة بصرف رواتب مجزية للأرامل والمطلقات ليتفرغن للعناية بأطفالهن الأيتام أوأشباه الأيتام ..
(( لكن في غياب هذا الرؤية .. يجب علينا على الأقل توفير الوظائف لهن لحفظ كرامتهن وكرامة أطفالهن ))
12 ـ هذا النظام هو جزء من نظام دولة متكامل .. وحتى ينجح يجب أن تتظافر كل الجهود لإنجاحه .. ومن ذلك أن يكون هناك نظام مرن للإجازات .. للولادة
والحضانة .. ولا مانع أن تأخذ الأم إجازة لمدة خمس أو عشر سنوات .. على أن يحق لها العودة بعد ذلك.
** الحضـــــــــــــــــــانة **
13 ـ على غرار صندوق التقاعد والتأمينات .. لا مانع من إنشاء صندوق تحت مسمى صندوق الحضانة يستقطع فيه من راتب الموظقة مبلغاً شهرياً .. يستمر الصرف
عليها منه فيما لو قررت التفرغ لتربية أطفالها لفترة قصيرة أو طويلة.
14 ـ هناك نقطة تغيب عن الكثير عند مقارنة واقع أطفالنا مع واقع أطفال الأم العاملة في الغرب :
ذلك أنه برغم تلك الدراسات التي تشير إلى تذمر المرأة الغربية من عملها لأنه يبعدها عن أطفالها .. لكن ينبغي أن نعلم أن السمة الغالبة في الأمهات في الغرب أنهن يودعن أطفالهن في حضانات راقية يشرف عليها أخصائيين واستشاريين اجتماعيين ونفسيين على مستوى عالي من التأهيل والدراسة والفهم .. ليعوضوا الطفل عن غياب والديه.. لذلك فإن تلك الحضانات تكلف الوالدين أموالاً ضخمة .. تعدل أحياناً تكلفة طالب الدراسات العليا.
وعلى سبيل المثال :
فإن الحضانة في بريطانيا تكلف الأم سنوياً بين 50 إلى 60 ألف ريال .. وهي
قريبة من تكلفة دراسة الماجستير في كثير من الجامعات البريطانية.
أمــا ...
ما يحصل في بلادنا فإن السمة الغالبة أن الطفل يظل مع خادمة لا تعرف أبجديات التعامل مع الطفل .. ولا تجيد لغته .. الأمر الذي يسبب للطفل اضطرابات نفسية وعدوانية وكأنه يريد الانتقام من المجتمع الذي حرمه الأمان والحنان .. ولاستشعار الحكومة البريطانية بجدية الأمر فإنها تتكفل بجزء من تكاليف الحضانات عندما يبلغ الطفل ثلاث سنوات ثم تتكفل الحكومة بكامل التكاليف عندما يبلغ 4 سنوات.
لذلك من المهم أن تتبنى الدولة في بلادنا وبدعم من صندوق الحضانة المقترح فتح حضانات على أعلى مستوى من التجهيز الصحي والنفسي وتزود بكوادر نسائية وطنية بمؤهلات عالية وبأجور عالية .. ونكون بهذه الطريقة قد حصلنا على ثلاثة مكاسب :
ـ نتيح البيئة التربوية المناسبة لأطفالنا.
ـ نقلص الهدر في الأموال التي تذهب في العمالة المنزلية .
ـ نوفر فرص كبيرة لوظائف مناسبة للنساء وخاصة العوانس والأرامل والمطلقات والعقيمات وكبيرات السن وغيرهن .
15 ـ لا يقتصر دور صندوق الحضانة على الدعم المادي فقط بل يدعم دراسات أبحاث المرأة والطفل ويتبنى مشاريع إعلامية توعوية و تربوية واجتماعية.
خـتامـاً : أيها القارئ الكريـم :
* هذا المقترح إنما هو جهد بشري أردت المساهمة به لعله يكون شرارة لأفكار أخرى .. وحتى لا يقول أحد بأننا نمارس النقد والمنع ولا نوجد البدائل. *
أعلم أن هذا المقترح ليس بهذه السهولة في الطرح .. بل هو مشروع ضخم .. لكن في ظني أنه كما استطعنا تصدير تجربة البنوك الإسلامية للغرب .. لن يصعب
علينا تصدير نموذج اقتصادي اجتماعي تربوي في توظيف الأمهات وحضانة الأطفال .
اللهم اشرح صدورنا .. وأنر عقولنا .. وسهل دروبنا .. واجعلنا مفاتيحاً لك خير .. مغاليقاً لكل شر .. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أمين بن بخيت الزهراني