دردشات على رصيف الوطن ... الغناء في الطاحون .. !!؟
ما بتّ متأكداً منه بنسبة /99.99%/ من أن نسبة تزيد على /99.99%/ من « ثوار » ومحتجي الشهور الأخيرة لا يشاهدون إلا المحطات الفضائية التي يناصرونها ويعتبرونها مناصرة لهم وتناضل معهم من أجل الحرية والعيش الرغيد، والتي باتوا لا يقرؤون إلا شريطها الإخباري الذي يحفظونه غيباً كما كان الأطفال في الصف الأول الابتدائي أيام زمان يحفظون قصائد سليمان العيسى .. مع فارق وحيد أن قصائد سليمان العيسى كانت تجلب السعادة لهؤلاء الأطفال وأخبار هذه المحطات لا تجلب إلا المقت!! .. والقرف .. و« ثوار » الشهور الأخيرة يعتبرون هذه المحطات كتباً مقدسة لا يجوز المس فيها أو التشكيك فيها .. لأن الباطل لا يأتيها لا من فوق ولا من تحت ولا من الأمام ولا الخلف ولا اليمين ولا اليسار، لكن حذار .. أن يضبطوك متلبساً وأنت تشاهد قناة سورية أو مناصرة لسورية .. فهذا غير مسموح حتى لو كانت القناة قناة ( سورية دراما ) وكان المسلسل ( باب الحارة )!! .. فعندها سيشهق « الثائر » ويبعق وتنبق شروش رقبته وتفلحص عيناه الكحيلتان وتطلعان من وجهه وسيشهر بنانه في خلقتك مستهجناً ومستنكراً قيامك بهذه الخطيئة التي لا تغتفر .. ولا كفارة لها .. فأنت في قاموسه ومعجم ألفاظه الشعرية ( كافر ــ خائن ــ موالي ــ شبيح ... الخ )!!.
فمحطاته « الثورية » التي تنادي بالحرية والكرامة والدولة المدنية!! .. هي الوصال والصفاء والعربية والجزيرة ومجموعة الحرائر! .. ( الحوار ــ الحرة ــ الحرة عراق ) وبردى والأورينت وفرانس /24/ وملحقاتهما التي ينام صاحبنا وهو يرضع أخبارها ويصحو وهو يرضع أخبارها .. التي يُقدمها له الرواة الثقاة ( الشهود العيان ــ الناشطون الحقوقيون الذين أصبح عددهم بعدد سكان الصين الشعبية ــ المحللون السياسيون الذين لا يحللون ولا يحرمون ــ وقادة الأحزاب والحركات التي لم ولن تولد بعد ).
أما صديقي الوحيد المتبقي لي حتى الآن ممن صاروا « ثواراً » والذين يعترفون بالآخر عن طريق إلغائه، والمختلف نسبياً عن رفاقه والذي ما زال يتحمل أن لي رأياً يختلف عن رأيه سألني بالأمس معاتباً:
ــ يا صديقي اللدود ! .. ألا ترى أنك متناقض .. كيف ناصرت وأعجبت بثورة وثوار مصر!! .. ولكنك تعترض وبشدة على ثورتنا..
قلتُ : يا صديقي العزيز .. كما تعلم أنا ماركسي ــ وفيلسوفي ماركس علمني مقولة علمية تقول : الفكرة لا تقارن بفكرة إنما تقارن بالواقع .. فمصر ليست سورية .. وثوار مصر ليسوا بالضرورة هم محتجو سورية..! .. فمصر كانت مرهونة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي عبر اتفاقية كامب ديفيد .. سورية شكلت عقبة أمام هذا المشروع .. سورية دعمت المقاومة .. مصر مبارك قمعت المقاومة .. وسجنتها .. وتآمرت عليها!! .. وأسألك يا صديقي العزيز رغم أني أعرف أنك لم ولن تعترف بوجود قوى سلفية رجعية مسلحة، كم جندي وكم شرطي قـُتل في مصر؟! وكم شرطي وجندي ورجل أمن قـُتل ومُثل بجثته .. في سورية!!؟..
يا صديقي .. عندما تجولت ضرة (مونيكا) في ساحة التحرير أي السيدة كلينتون وجاءت بشكل يراعي الأعراف الدبلوماسية ... تظاهر الثوار المصريون ضدها .. ولكن وللأسف «ثوارنا» في ساحة العاصي رشوا السفير الأمريكي بالورد واستقبلوه بالأحضان ولم يصدر عن «الثوار» ورموزهم إدانة لهذا القذر والذي دخل ولوّث مدينة أبي الفداء!!
صرخ صديقي والذي حفظ الإجابة التي يُرددها رفاقه «الثوار» دون إشغال العقل والتفكير بما يقولونه أو يسمعونه!! .. ولكن هذه مؤامرة من النظام .. النظام هو من أدخله .. لا بل هو اتفق معه!!
قلت : لنفرض .. ولكن لماذا ثوارك استقبلوه بالترحاب!؟ لماذا لم يكن بينهم ( منتظر زيدي ) واحد .. من أدخله ضمن المدينة المغلقة؟! من أطعمه ونيمهُ وسامره وصلى معه، وتظاهر معه!!؟ .. النظام أم رفاقك الثوار .. وعلى فرض النظام تآمر معه .. النظام يا صاحبي كشفكم وأسقط ورقة التوت عنكم .. ألا ترى معي أن هناك الكثير من المؤشرات التي لا تبعث على الراحة مثل هذا التأييد المريب لثورتكم من قبل أوباما وأوروبا الاستعمارية أضف إليها حماس الرجعيات العربية المجيدة التي تحثكم على النضال من اجل الحرية والديمقراطية التي يفتقد مواطنها لا الكرامة والحرية السياسية فحسب بل يفتقد أيضاً للحرية الشخصية!!..
ثم هذه المؤامرات البلجيكية والتركية والفرنسية ذات اللون الإسلاموي الفاقع والمزخرف بعضها بنجمة داوود الصهيونية!؟ .. أضف لها لقاءات بعض الرموز مع تلفزيون إسرائيلي .. وصمت « الثوار » المريب في هذا الشأن .. وهل أصبح الموقف الإيجابي من إيران أو من حزب الله مُدان ويعتبر عمالة .. وأصبحت العمالة لإسرائيل وامريكا أمر مشروع!؟ المحطات الداعمة والموجهة « لثورتكم » بعضها يسمي فلسطين إسرائيل .. وبعضها يقوم بإجراء مقابلات حميمة مع قادة صهاينة مجرمين!!..
ما يؤسفني يا أبا سمرة .. أن «ثورتكم» الميمونة تأبى إلا أن تعبر عن وطنيتها وثوريتها عبر استخدامها للغة الشتائم السياسية المبتذلة، والتي لم تترك شتيمة لحزب الله وحسن نصر الله ولم تترك علماً لحزب الله إلا وأحرقته .. أحرقتم أعلام روسيا والصين الدولتين الصديقتين لنا تاريخياً، بينما تعففتم عن حرق علم أمريكي واحد .. علم إسرائيلي واحد .. والحجة التي تقدمونها يا أبا سمرة .. مو وقتها الآن!؟ .. بل أن البعض لا يخجل ويقول بصراحة يا أخي سفير أمريكا بحمينا ويحمي مدينة حماة!!..
ملاحظة : لم أخبركم عن صديقي اللدود أبو سمرة المهووس ــ سابقاً ــ بتشي غيفارا ــ والذي كنى نفسه بابي أرنستو، ورسم صورة تشي على كامل جدار غرفته والذي لا يلبس البلوزة إلا وعلى صدرها غيفارا بسيجاره الكوبي، ورنة موبايله الأغنية الكوبية المشهورة (الكومندان ) والطوق الذي طوق عنقه كان يحمل رسم الطبيب الثائر..
تحدثتُ إلى صديقي، وتحدثت لأكتشف أنه لا يسمعني، إنه في عالم آخر يشاهد وباستغراق قناة الوصال التي ظهرت على شاشتها مستحاثة بشرية، تتهدد وتتوعد .. تصرخ وتشرح، سألت أبا سمرة من يكون هذا؟!.
أجاب صديقي زائغ البصر .. ودون أن يلتفت إليّ ...
أرنستو .. أرنستو .. تشي .. عرعورة!!..
بقلم :نضال الماغوط