الـثـورة الـنـاقـصة فـي مصـر .. السـراج والمـنـارة !!
عندما قرأت عبارة السيد المسيح " من كان له سراج فليعلقه في أعلى منارة " .. فهمت من كلام السيد المسيح أن المشكلة لم تكن في إيجاد منارات عالية بل في إيجاد السراج وفي ثقافة نشر النور كعمل من أعمال الخير .. ويبدو أن إيجاد منارة لم يكن مضنياً بل إيجاد السراج والايمان بثقافة نشر النور .. وإلا لقال : من كانت له أعلى منارة فليعلق عليها سراجاً متوهجاً .. وربما لو عاد السيد المسيح اليوم إلى الأرض لقال : " من كانت له أعلى منارة فليعلق عليها سراجاً .. وطوبى لمن كانت له منارة عالية وسراج متوهج في آن معاً "..
ولكن أين المنارات العالية هذه الأيام ؟؟ وماذا ينفع السراج من غير منارة عالية إلا أن يموت السراج دون أن تراه العيون الضالة من بعيد .. ؟؟ وماذا تساوي المنارات العالية من غير أن يعلق عليها سراج متوهج ؟؟ تكامل السراج بالمنارة يشبه علاقة النبوة بالأنبياء فرسالة النبوة سراج والنبي منارة عالية تحمل السراج .. وتكامل المنارة بالسراج يشبه علاقة الثورة بالثوار .. ومن لا يعلق السراج الصحيح على المنارة الصحيحة فكأنما قتل الضوء وقصم ظهر المنارة .. والثورات التي لا تزرع السراج على المنارات أو التي لا تجد منارات لسراجها هي ثورات ناقصة .. الثورات الناقصة هي إما سراج بلا منارة أو منارة بلا سراج .. والويل لشعوب لا منارات لها ولا سراج ومع هذا فإنها تعلن الثورة ..
ثورة الشعب المصري على الإخوان المسلمين في 30 يونيو هي من الثورات الجديرة بالإعجاب والتأمل .. ولا شك أنها كانت تكاملاً مع موقف الشعب السوري من الحركات الدينية السياسية المخادعة والتي فرغت من محتواها ولم يعد يعنيها إلا السلطان والسلطة والتحكم برقاب الناس ونشر الجهل والتطرف .. وكان المد الشعبي بين سورية ( التي خرجت بالملايين ترفض الربيع العربي القطري التركي الإخواني ) ومصر ( التي خرجت بملايينها لإسقاط المشروع القطري التركي الإخواني ) يشبه تلاقي السراج بالمنارة .. ولكن من يستمع إلى بعض الإعلاميين العرب يرى أن المشكلة هي في أن المصابيح لا يراد لها أن تلتقي مع المنارات .. ويقوم بعض الإعلاميين العرب على فصل السراج عن المنارة ..
ولشدة افتراق المنارات عن المصابيح هذه الأيام يعتقد المرء الذي يستمع إلى الإعلام العربي والمصري تحديداً أنه يستمع إلى خطبة من خطب الوعظ التي تروى عن جحا .. ويستنتج أن الثورة المصرية الكبيرة على الإخوان لا تزال ناقصة .. ولا تزال غير قادرة على التصدي لتحديات الثورة والمستقبل .. ولا يمكن أن تكتمل الثورة التي قامت ضد الإخوان قي مصر إلا بتنحية مدرسة جحا الإعلامية .. التي يقوم فيها إعلاميون مصريون بمخاطبة الناس وكأنهم يعظونهم على منبر جحا الشهير .. جحا الذي جلس يوماً على منبر الوعظ واستهل وعظه فقال : أيها المؤمنون .. أتعلمون ما سأقوله اليوم ؟ .. فأجابه السامعون : كلا .. فقال لهم : إن كنتم لا تعلمون فما الفائدة من الكلام معكم ؟؟!! ثم نزل عن المنبر .. وفي اليوم التالي صعد إلى المنبر وأعاد عليهم السؤال : فأجابوه هذه المرة : نعم إننا نعرف !!.. فقال لهم : ما دمتم تعرفون ما سأقوله فما الفائدة من إعادة الكلام ؟؟ .. فحار الحاضرون فيما يجيبون في المرة القادمة .. واتفقوا على أن يقتسموا الإجابات فبعضهم يجيب بنعم وبعضهم يجيب بلا .. وعندما اعتلى جحا المنبر وسأل سؤاله قال بعض الناس إنهم يعرفون وقال بعضهم إنهم لا يعرفون .. فقال جحا للناس : حسن جداً .. فليعلّم من يعلم من لا يعلم .. ومن لا يعلم فليتعلم ممن يعلم .. ثم نزل من على المنبر تاركاً الناس في حيرة شديدة .. ولم يعلمهم كلمة واحدة ..
حال بعض الإعلام المصري والإعلاميين المصريين يشبه مواعظ جحا التي لا يفهم منها شيء .. فهم لا يزالون لا يقولون للجماهير في مصر أي شيء عن الحقيقة في سورية وكأن الاعتراف بالحقيقة سر من أسرار القيامة .. بل لا يزال هؤلاء يقعون في التهافت .. ( أي في التناقض ) .. ويذكرنا ذلك بكتاب أبي حامد الغزالي تهافت الفلاسفة ( أي تناقضهم ) والذي تلقى صفعة من الفيلسوف ابن رشد الذي رد عليه بكتاب ( تهافت التهافت ) أي تناقض التناقض .. ويصح اليوم القول أن نصف إعلام جحا بأنه يستحق عنوان " تهافت التهافت " .. وفي إعلام " تهافت التهافت " لا تستطيع أن تفهم كيف أن المصريين من الإعلاميين الكبار يقولون للشعب المصري بأنهم يتعرضون لمؤامرة من قطر وتركيا كراعيتين للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين وأن قيادة حركة حماس متورطة في المؤامرة على شعب مصر .. ولكن عندما يأتون على ذكر الوضع في سورية تغيب قطر وتركيا وقادة حماس وسفالتهم ويصبح الأمر عن ثورة وشعب وديكتاتور يقتل شعبه .. رغم أن عدو عدوي هو صديقي .. أي أن سورية عدوة لتركيا ولقطر ولقادة حماس .. وبالمنطق يجب أن تكون مصر صديقتها .. ولأنه بالمنطق لا يمكن أن تكون قطر تقوم مع تركيا بأعمال خيرية في سورية ولكنها في مصر تقوم بأعمال دنيئة .. أو بالعكس ..
الغريب أن الإعلام المصري في قسم كبير منه لم يرتق إلى مستوى الحدث المصري ولا يزال يمارس كل شيء إلا ما يمكن تسميته إعلام الثورة .. فهو إعلام أسير لكل شيء وليس فيه ثورة .. ولا أدل على ذلك من اللقاء الذي أجراه عماد أديب مع الصبي اللبناني سعدو الحريري منذ فترة وكان من الواضح أن اللقاء معد بعناية فائقة لتقديم أتفه زعيم سياسي في الشرق الأوسط على أنه من الركائز الأساسية للسياسة العربية في الشرق الأوسط .. وبأن الثورة المصرية تريد أن تستمع لثائر من ثوار القرن الكبار لتتعلم منه .. ولكن اللقاء بصراحة لم يكن عن لبنان ولا عن مصر بل أريد له ان يكون عن الثورة السورية والترويج لها بالأفك .. وترك عماد أديب الميكروفون مستسلماً لقدره أمام سعدو الحريري ليقول الأخير بلا توقف كل الكذب الكثيف الذي يريده دون أي اعتراض او مقاطعة أو جدل أو عتاب خفيف أو اعتراض .. مثل المونولوج .. وكان ما قدمه للجمهور عبارة عن وصلة من وصلات الجزيرة التي أهدر المصريون دمها بسبب ما افترته عليهم .. دخلت الجزيرة على المصريين من على منصة مصرية .. جزيرة مكثفة بكل نكهة الافتراء والكذب .. ومن يعرف ما تقوله الجزيرة عن سورية وما قاله سعدو الحريري للمصريين من على منصة عماد أديب يستغرب كيف يتبنى الإعلام المصري خطاب الجزيرة كاملاً عبر مقابلة مع سعدو الحريري ولكنه يهاجم ما تقوله من افتراء في الشأن المصري .. عملية انتقائية معيبة مثل أن ترفض أن يقتطع شايلوك رطلاً من لحمك لكنك تعطيه رطلاً من لحم إنسان آخر بكل الرضا وأنت تثني عليه ..
وقد أطنب عماد أديب في الثناء على الصبي اللبناني الذي تباركت بزيارته ثورة 30 يونيو .. وركز أديب بشدة على الاستقبال الحار الذي خص به الجنرال السيسي الزعيم اللبناني والمعاملة الخاصة التي لقيها سعدو بين يدي السيسي .. بالطبع من يتابع اللقاء يعرف أنه لقاء متفق عليه وأن عماد كان يمثل النفاق السياسي الخالص وأنه كان " يمثل أنه يسأل " أسئلة لأن الحقيقة هي أنه كان يؤدي دوره مثل كومبارس للبطل سعدو الحريري .. ( نحن نسأل وسعدو يجيب ) .. ولكن الأهم من ذلك كله أن المشهد يدل للأسف على أن استقبال الصبي على أنه زعيم كان لإرضاء السعودية ليس إلا .. وإن المبالغة في تدليله والمسح على غرته ورأسه كان كمن يستقبل ابن الجيران المدلل ويلاطفه طالما أنه ابن جار ثري والولد معاق عقلياً .. ولكنه يعامله بلطف وظرف ملاطفة لأبيه الثري .. أليس من العار أن تقدم ثورة مصر بملايينها لتستعمل كحقنة مقوية لسعد الحريري وليستحم من أوساخه المذهبية في نهر النيل وفي ترع الفلاحين المصريين الفقراء الذين تركوا قراهم وترعة الماء ليصنعوا ثورة 30 يونيو ليأتي هذا الصبي المدلل التافه ليعلمهم الثورة ؟؟.. وهو الثري المدلل الذي يسكن القصور .. ويتسلى في بارات باريس .. ويرسل شحنات الطوائف إلى الشرق .. أليس من العار أن يستدعى إلى مصر ليعلم المصريين الديانة الثورية الجديدة وليعلمهم أن الشمس تتعامد على وجه القديس رفيق الحريري كما تتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني في معبد أبي سنبل ..
وبالأمس كانت لميس الحديدي في مقابلة أخرى تلتقي الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي كان يقول لها ويكرر في كل الحلقة أن الدولة السورية ليست مسؤولة عن الهجوم الكيماوي في الغوطة وأن كل القرائن المثبتة تشير إلى أن من ارتكب الهجوم هم الثوار أنفسهم بالتواطؤ مع تركيا لاستدعاء أميريكا .. ومع ذلك تتجاهل لميس الحديدي هذه المعلومة الخطيرة جداً التي تشير إلى تورط الثوار والدعم الخارجي في قتل الشعب السوري وتسأل مستهجنة إن كان يمكن للرئيس السوري أن يرشح نفسه بعد أن قتل نصف الشعب السوري .. بل وتكرر كيف يمكن له أن يفوز وقد قتل نصف شعبه ؟؟
يعني ماذا يمكن أن يقال لهذه المنارات القصيرة والقزمة التي يريد الشعب المصري تعليق مصابيح ثورته عليها ؟؟ يعني لقد رأى العالم كله الثوار السوريين ينهشون الجثث ويلتهمون القلوب .. ورأى العالم كله كيف يرتكب الثوار المجازر علناً بالأسرى ويذبح علناً ويحرق علناً .. وصار أصغر طفل في أدغال إفريقيا يعرف عن القلب الذي التهمه وحش من صدر جندي سوري في حمص السورية .. وصار حتى أبناء الزولو يباهون برقيهم الأخلاقي أمام انحطاط ووحشية الثوار السوريين .. وفوق كل هذا يجلس أمامها الأستاذ هيكل ويقول لها أن مجزرة الغوطة الكيماوية ارتكبها الثوار بدعم تركيا .. وبعد ذلك تسأله ببلاهة : كيف يمكن لبشار الأسد أن يرشح نفسه .. وكيف يمكن أن يفوز وقد قتل نصف شعبه ؟؟ نصف شعبه أي 12 مليوناً .. تخيلوا أنه حتى من قتلهم الثوار بعشرات الآلاف رمتهم لميس الحديدي في النسيان وكأنها مصابة بثقب في الذاكرة بحجم ثقب الأوزون .. أو أنها من عائلة الحريري وليس الحديدي .. لأن زوجها عمرو أديب شقيق عماد أديب قد أصابته لوثة الحريري .. ومال الحريري .. كم المال قوي أحياناً فيلوي الحديد ويحيله إلى حرير !!.. كيف يمكن أن تصمد دال الحديد أمام حرارة الزيت الأسود ؟؟ .. الزيت الذي يذيب الدال ويجعلها تتلوى ويحيل ملمسها إلى الحرير .. ليصبح الحديد من حرملك الحرير ..
السؤال الأبله للميس الحريري مقصود وهو إلغاء ما قاله الأستاذ هيكل وإعادة الوعي المصري الذي يستمع إلى المقابلة إلى ما قبل الإشارة إلى مسؤولية الثوار عن المجزرة الكيماوية المزمعة .. فينسى الوعي الحقيقة لأنها غطيت بمسلّمة أخرى قدمتها لميس الحريري .. وهي أنه بغض النظر عما يقوله هيكل - رغم خطورته - ورغم أنه يطرح سؤالا مشروعاً عن هوية المسؤول الحقيقي عن كل القتل في سورية على مدى 3 سنوات فإن القاتل سيبقى هو الرئيس بشار الأسد .. حتى وإن كان هناك دليل قاطع عكس ذلك ..
وهذا يعني لمن يريد الدخول في عراك المحاججة والمهاترات أن ما يقوله الإخوان المسلمون عن جرائم السيسي يمكن قبوله .. رغم أن الجميع يعلم أن الاخوان المسلمين هم الذين اختاروا المواجهة في مصر واختاروا التصعيد مع الجيش ورفضوا كل عروض الفريق السيسي .. ولا يزالون يتربصون بالجيش المصري الذي يقف الجيش السوري كخط دفاع أول له في المعركة .. ولو هزم الجيش السوري فسيكون الجيش المصري في مواجهة مباشرة مع قطعان الإسلاميين والمهاجرين الذين سيرسلهم أردوغان ثأراً لرابعة وابنة البلتاجي التي بكاها بحرقة .. وستدفع قطر تمويل الموت في مصر .. وسيقاتل المصريون نفس العدو الذي نقاتله اليوم ويقال عن دفاعنا عن بلدنا بأنه قتل لنصف الشعب.
للأسف هناك أشياء لا تدل على أن مشروع الشعب المصري في التحرك نحو إنجاز ثوري كامل يلقى التفهم من أنصاف الثوار وأنصاف المثقفين .. فالإعلام المصري رغم كل ما يقال عن استقلاليته فإنه يتصرف إلى الآن على أنه يدار من عواصم النفط والغاز .. ومربوط بخيوط خفية إلى عواصم الزيت الأسود .. فباسم يوسف هاجم قطر والإخوان المسلمين ولكن لا يعرف إلا الله إن كان يدرك أن هناك بلداً قروسطياً اسمه المملكة العربية السعودية وهي منجم هائل للنكتة لأنه يتقاضى مالاً من محطة تملكها شهصيات سعودية .. ولميس الحريري نفسها التقت منذ فترة بأحمد الجار الله ووصفته بعميد الصحفيين الكويتيين وخفضت له جناح الذل وقدمته للشعب المصري على أنه أحد أحباب الشعب المصري وعشاقه .. وبعد أسابيع قليلة خرجت صحيفة السياسة الكويتية التي يكتب فيها الجار الله لتنبش في آثار مصر وتنبش قبر عبد الناصر وتنهش في لحم مصر وفي كرامة عبد الناصر وشرفه وتنشر مذكرات شمس بدران ( الذي عزله عبد الناصر ) في توقيت غريب جداً ليقول فيها أن عبد الناصر كان يرفع من همته وطاقته بمتابعة أفلام جنسية فاضحة سجلتها أجهزة مخابراته خلسة لسعاد حسني .. الزعيم الأهم في تاريخ مصر حوله الإعلام الخليجي إلى مختل نفسياً ومختل أخلاقياً ومريض ومهووس بالجنس بعد نصف قرن تقريباً على رحيله .. ولم يتذكر شمس بدران عنه الموبقات إلا في صحيفة السياسة الكويتية .. لسبب بسيط هو أن صور عبد الناصر عادت لترفع في شوارع مصر ولأن السيسي ذكّر المصريين ببعض من روح عبد الناصر وضباطه الأحرار .. وإذا عاد عبد الناصر إلى شوارع مصر فإن الخليج العربي سيعود إلى حجمه الطبيعي ويتدثر برماله .. فلا بد من نبش القبر .. ونهش العظم ..
هذا الإعلام الخليجي يتسلى بقص الهامات والرموز العربية لأن الخليج المحتل والبائس ثقافياً وحضارياً غير قادر على إنتاج زعامات وقامات عالية فيعمد إلى تدمير الرموز الوطنية في البلاد العربية الأثرى سياسياً وفكرياً ويعمد إلى قطع النخيل وتقصير الأهرامات لتناسب كثبان الرمل .. هذا الإعلام الوقح هو نفسه الذي يروج الآن أن ابن السيد حسن نصر الله الذي استشهد في جنوب لبنان عام 1997 لم يمت في المعارك مع إسرائيل بل في ملهى ليلي في بيروت !!.. ويزيف وثائق وينشرها لتشويه صورة استشهاد الأبطال الميامين ضد إسرائيل .. رغم أنني أذكر شخصياً أنني أول مرة سمعت عن هادي نصر الله وعن استشهاد هادي نصر الله كان من إذاعة لندن التي أوقفت إرسالها ونقلت بياناً صادراً عن قيادة الجيش الإسرائيلي التي أعلنت بابتهاج أنها تمكنت من قتل ابن الأمين العام لحزب الله وتمكنت من سحب جثته بعد معارك عنيفة في جنوب لبنان وإنها لن تسلمها إلا بمقابل باهظ ربما هو الطيار الإسرائيلي أرون أراد .. وفاجأني يومها ما تلا ذلك من تعليق نقلته هيئة الإذاعة البريطانية التي قالت بأن إسرائيل صعقت وأصيب جنرالاتها بالخيبة عندما " رفض الأمين العام لحزب الله أن يعامل جثمان ولده بشكل مميز عن باقي رفاقه الشهداء .. وأنه يرفض أن يمنحه أي تفضيل " .. ومع ذلك يتواقح إعلام العرب ويحكي حكواتيوه حكايا عن الملهى الليلي .. الذي قد نكتشف عبر أحمد الجار الله أن الزعيم جمال عبد الناصر ربما كان يرتاده أيضاً دون علمنا .. وأن هزيمة 67 وقعت عندما كان ثملاً في ذلك الملهى ليلة الرابع من حزيران .. مع سعاد حسني .. وربما يستقبل عماد أديب سعدو الحريري كمالك لذلك الملهى الذي حوله الشيخ سعدو إلى مسجد للتوبة .. على نمط مساجد " السوليدير " !!!
إذا كان من خصائص الثورات أنها تطيح بمنظومة سياسية واجتماعية واقتصادية فإن أخطر شيء على الثورات هي عندما تكون ثورات ناقصة ومبتورة .. الثورة تصريح صاخب عن مكنونات الجمهور والمجتمع وانفجار في مشاعره وأزماته ويتحقق التفاف الناس حولها عندما تتحدث نيابة عنهم بصوت صاخب كالرعد ونقي كالنبوة .. وتترجم حنق الناس من خمول وبرود الطبقة السياسية وصقيع مشاعرها التي لا تحس بحرارة الواقع والحرائق التي تشتعل في القاع السحيق للفقراء والمعذبين لأنها تعيش في الذرى وتتدثر بمعاطف الديبلوماسية في أتون نيران التناقضات الاجتماعية .. وعندما يتحول إعلام المجتمع إلى طبقة عازلة بين الثلج والنار يصاب المجتمع بالانشطار ويتحول الملل والسأم من نفاق الخطاب إلى غضب عارم .. الثورات هي عملية تمزيق لثياب ديبلوماسية الكذب الكثيفة والستائر السميكة على نوافذ المجتمع التي تمنع رؤية ما يحدث في عالم الحقيقة ..
وأتذكر هنا أن أستاذاً جامعياً مصرياً مغترباً عرفته أيام دراستي في الغرب وبقينا على تواصل .. عاد من مصر العام الماضي عندما التقيته وسألته عما لفت نظره في مصر بعد غيابه عنها لثلاثة عقود قال متألماً : " ثقافة الكذب .. هي ما يلفت النظر .. أي تجلس مع شخص وبينما أنت معه يأتيه اتصال على الموبايل فيرد بأنه في أسيوط وليس في الاسكندرية رغم أنك تجلس معه في الاسكندرية .. وقال لي ذلك الأستاذ المصري الفاضل والكبير .. أن الناس لا يزالون طيبين وبسطاء ولكن الكذب يتعلمه الناس على أنه شيء طبيعي من ثقافة سياسية وإعلامية طاغية لأن من يتحدث إليهم في الإعلام يكذب علناً وهو يعرف بأن الناس تعرف أنه يكذب .. وما يحتاجه المصريون هو من يعلمهم الصدق .. ومن يعلمهم الصدق سينتشلهم من أكبر كذبة يعيشونها وهي أنهم لا يقدرون على تغيير قدرهم ..
ولكن كيف يتعلم المصريون الصدق ولا يزال معظم الكتاب المصريين في الصحف يكتبون عن الثورة السورية التي يقتلها نظام بشار الأسد الذي يقتل شعبه ويقصفه ؟؟ .. ومع هذا وعلى مدى 3 سنوات لم يتحرك أحد من جحافل الصحافة المصرية ليأتي إلى سورية من قبيل الأمانة الصحفية والمقارنة التي يجريها صحفيون من كل العالم .. بل إن هيكل تعرض لهجوم عنيف وحملة تشنيع لمجرد أنه اقترب من الحدود السورية والتقى السفير السوري في لبنان والسيد حسن نصر الله .. ولم يقم إعلامي مصري باستضافة ممثل واحد عن الدولة السورية لشرح وجهة نظرها للشعب المصري الذي صنع ثورة 30 يونيو ضد نفس العدو والذي لا شك استفاد من صمود الدولة السورية التي تسببت بصمودها في استعجال المشروع الإخواني للهيمنة على مصر قبل موت الثورة السورية .. فكان هذا الاستعجال سبباً في انكشاف مشروعهم واندحاره ..
إنني مثل كثيرين أستطيع تفهم حيرة مصر الحالية .. ومصدرها أن الفريق السيسي لا يزال غامضاً في كل تحركاته ولا يزال يحير الكثيرين .. ولم يستطع معظم متابعيه رسم معالم لسياسته ونواياه .. أهو استمرار لمرحلة ناصر بعد انقطاع ؟؟ أم هو عودة للساداتية التي كانت تحاول ممارسة البراغماتية دون إلمام ومعرفة كاملة بعلم البراغماتية السياسية ؟؟ .. البعض يعتقد أنه نهج جديد لرجل جديد يسير في منتصف الطريق ولن يكون ضد ناصر ولا ضد السادات أي سيطبق مصطلح ( الناداتية أو الساصرية من دمج اسمي ناصر والسادات ) .. وسيقف بين روسيا والولايات المتحدة ولن يغامر خارج حدود كامب ديفيد .. ولكن إن كان الفريق السيسي رجلاً قادماً من المستقبل لإنقاذ مصر فإن تحالفه مع قوى الماضي سيعيده إلى الفراغ .. ولكنه إن تحالف مع قوى المستقبل فقد وضع مصر في مكانها الصحيح .. ودخل التاريخ من بوابة بناة مصر ..
مصر لا تزال في حالة ثورة ناقصة وحائرة طالما أن بعض نخبها لا يزالون يغازلون القوى الظلامية وقوى المال العربي وهذا العذر لا يناسب ثورة ويبقيها ناقصة وغير مكتملة .. فالثورة التي تخشى الأزمات ستبيع أوراق قوتها .. ومصر لا تحتاج فقط جنرالاً قوياً ووطنياً بل تحتاج أن يتنحى إعلام جحا عن التحدث باسم الجنرال والشعب والكذب على الجنرال والشعب .. فما يؤذي الجنرال وثورة 30 يونيو التي أوقفت جنون الإخوان المسلمين هو أن يتولى بعض الإعلاميين المصريين مخاطبة الناس بشكل عشوائي ووفق مصالح ضيقة .. وأخطر ما يهدد الثورات هو الخطاب الإعلامي للثورات عندما يكون متلوناً ومصراً على حالة الإنكار والعبث بالكلام وليّ الحقائق .. فالخطاب الإعلامي للأنظمة الرسمية يمكن أن يمارس الديبلوماسية ويمكن أن يتغطى ببعض التقية السياسية .. لكن الثورات عندما تمارس خطاباً إعلامياً فيه تقية سياسية فإنها تروض الثورة وتربطها إلى عربات السياسة والديبلوماسية وتصبح الثورة معاقة على كرسي متحرك ..
أخيراً .. يقول يوليوس قيصر في أقصر خطبة على الإطلاق ثلاث كلمات هي : أتيت .. رأيت .. انتصرت
ولا شك أن المثقفين المصريين والنخب الإعلامية المصرية تحتاج أن تأتي إلى سورية .. وترى بأم عينيها .. لتكمل انتصار الثورة المصرية .. أتيت .. رأيت .. انتصرت ..لأن لا غنى عن لقاء المنارة بالسراج ..
أما غير ذلك فيعني : غبت .. فجهلت .. فهزمت