الـوطـنـيّــة بـــلا حـُـــــدود
وطني لو شغلت بالخلد عنه ***** نازعتني إليه بالخلد نفسه
نعم إنّه الوطن لا بديل عنه، ولا مثيل له، ولا أطهر ولا أنقى ولا أزكى من ترابه، كم هي جميلة رائحة الياسمين الدمشقي، والقهوة الشامية، والورد الجوري، والشمس التي ترسل خيوطها لتداعب كلٍّ منّا دون أي تفريقٍ بين صغير أو كبير، بين منتمٍ لهذا المعتقد أو ذاك، بين مسؤولٍ أو مواطن، بين فلّاح وعامل وبين برجوازي ورأسمالي .. نعم إنّها شمس الحق التي تشرق كلّ صباح من أجل أن تخبرنا بأنّها كلّما أشرقت فهناك أمل جديد، فليتّعظ البعض ويعود لحضن الوطن، وأن يعرف أنّ لا مثيل لوطنه في كل أصقاع الكون.
الوطن هو الأم التي تعطينا كلَّ شيء، والأغلى الذي تمنحنا إيّاه ونفتخر به لقب " مواطن عربي سوري "، ولكن في هذه الأيام باتت الوطنية بين سندان الخيانة ومطرقة الانتهازيين من جهة، ومن جهة ثانية يعاني الوطن من مدّعي الوطنية ويتكلّمون عن السلبيات الموجودة في كل مكان، بحجّة حبّ الوطن، متناسين كلَّ الإيجابيات التي تصبّ لصالح الوطن والمواطن، رغم الظروف والأزمات والحروب التي تتعرّض لها سوريتنا، بالتأكيد هنا لا أبرّر تقصير أحد، وكلٌّ منّا أياً كانت مرتبته في سدّة المسؤولية في الدولة والمجتمع، يجب أن يبذل قصارى جهده لبناء الوطن، وأن نتخذ القرار السريع الواضح، لا المتسرّع، القرار المتناسب مع المرحلة والظروف، والذي يساهم في رقي المجتمع وإغلاق الفجوات التي سهّلت لأعداء الوطن التغلغل فيه، والعمل على عدم إفساح المجال مجدّداً لاستمرار تدخّل الأجنبي أيّاً كان في شؤوننا.
الوطنية هي العمل الوطني والفعل الجاد، والحديث الإيجابي البنّاء الذي يصبّ في خدمة الوطن والمواطن، لا التنظير والإدعاء بالوطنية، مقابل تشويه سمعة البعض والإساءة للبعض، فشتّان بين النقدّ البنّاء الهادف إلى بناء مجتمع كاملٍ متكامل، وبين نقدٍ لمجرّد النقد والتبجّح بأنّنا نتكلم بحرّيّة وأريحية ودون خوف، ونسينا رقابة الضمير والرقابة الوطنية التي يجب أن تكون أعلى وأهم أنواع الرقابة على كلٍّ منّا، فلا يوجد إنسان كامل، ومهما كانت سلبيات الشخص كثيرة، فبالتأكيد لديه إيجابيات ويحتاج تفعيلها وتطويرها لكي تصبّ في صالح الوطن، الوطنية ليست هي التنظير إنّما كما قال جورج برنارد شو " الوطنية هي القناعة بأنّ البلد هو أعلى منزلة بين البلدان الأخرى، لمجرّد أنّك ولدت فيه "، وكما عرّفتها الموسوعة العربية العالمية " الوطنية تعبير قومي يعني حب الشخص وإخلاصه لوطنه "، وكيف يكون الإخلاص، الإخلاص يكون من خلال العمل بوطنية لكل شخصٍ أيّاً كان مستواه، بدءاً من عدم رمي القمامة في الشوارع، والمحاولة قدر الإمكان تخفيف التلّوث ومنع الهدر، وقيام كلٍّ منّا وخاصة الموظف الحكومي بواجبه على أكمل وجه بغضّ النظر عن رضاه أو عدم رضاه عن أداء مديره أو مرتبه ومرتبته، ولا نستثني المسؤول الذي يجب أن يفضّل العمل الجاد والجدي، والمتابعة المستمرة للأداء على أرض الواقع، على المظاهر الخادعة، والمنافقين ممن حوله، ليتمكّن من الانطلاق باتخاذ القرار إلى الدائرة الأوسع، والاجتماع بكافة موظفّيه بشكلٍ دوري لتتسع الدائرة لتشمل المؤسسة بكاملها ولو مرة بالشهر، نعم الوطنية تحتاج بذل كلّ الجهد من أجل إيجاد الوسائل الأكثر نجاعة والاستفادة من آراء الجميع، واحترامهم، وعدم رمي كلّ أخطائنا وتقصيرنا على الأزمة والظروف والآخر، أيّاً كان هذا الآخر، فمن يعمل بوطنية وصدق وإخلاص لا يخشى في الوطن لومة لائم.
المواطن الحق هو الذي يحترم وطنه ولا يشوّه سمعة أحد أبناء وطنه إلا التُبّع لأعداء الوطن، والمفرّطون بسيادته وكرامته تحت شعارات السيادة والحرّيّة والاستقلال.
المواطن الحق الذي يحترم أبناء وطنه جميعاً دون استثناء أحد منهم لمذهب أو عقيدة أو انتماء أو رأي سواء كان سياسياً أم اقتصادياً أم اجتماعياً، فهذه الخلافات تحلّها المؤسسات القائمة، وجلسات حوارٍ ونقاشٍ بنّاء وجاد، وبالمحبة والتعامل بوطنية.
الوطنية هي السلوك الإيجابي في احترام ثروات الوطن وإمكاناته وموارده أيّاً كانت ومهما صغرت أو عظمت، فلا تفريط بثروات الوطن، ولا استغلالها بشكلٍ سلبيٍ بما يضرّ أبناء وطنه، ولو كانت تحقق له مصلحة آنية، فلابد أنّها مستقبلاً سوف تضرّ به وبأولاده وبأبناء وطنه ..
الوطنية، هي أن نرمي كل خلافاتنا وراء ظهورنا لكي نبدأ السير على الطريق القويم، معتمدين على الضمير الحي والتفاؤل بتغير السلوك، فلا يهمّ تغيير الأشخاص إن لم تتغير الظروف، ولم تتغير التصرّفات، ولم تتغير الأدوات التي نستخدمها، وأولاها، توسيع دائرة النقاش والحوار ومتابعة كلّ قرار قبل صدوره وما بعد صدوره.
نعم لنرمِ خلافاتنا وراء ظهورنا، ولا نتطلع للماضي، بل لنبدأ من هذه اللحظة ببناء الوطن، كلٌّ منّا من مكانه وموقعه ومكانته، لا نلّوث هذا الهواء النقي بتصرّفات سلبية لتحقيق أحلام ضيقة تافهة، ليكن حبنا للوطن بالفعل والقول لا بالتنظير والانتهازية، حبُّ الوطن يتغلغل في قلب كلٍّ منّا، ولا نكره الوطن أو نشمت به لسبب ما أو لكرهنا لشخصٍ ما، وطننا بحاجة جهد كلٍّ منّا.
فلنحب الوطن، ولنكن وطنيين بكل حقٍّ وجد. سوريتنا تستحق منّا كلَّ الجهد، ألا يكفينا فخرٌ أنّها هبتنا لقب " مواطن عربي سوري "، كنا وما زلنا وسنستمر نرفع رأسنا بأنّنا ننتمي لهذا التراب الطاهر المقدّس.