المرأة الشعلة ميلينا ميركوري
سـيرة ذاتيـة ...
اسمها الحقيقي أماليا ماريا .. وصفت بأنها آخر امرأة يونانية عظيمة. ووصفت بالمرأة الشعلة, لكنها من دون شك إحدى أهم النساء اليونانيات في القرن العشرين، فقد كانت لها شخصية قوية ومؤثرة كما كانت ممثلة كبيرة ومناضلة ضد الحكم الديكتاتوري الذي حكم البلاد منذ عام 1967 حتى عام 1974 وكذلك كانت سياسية محنكة ووزيرة قديرة شغلت الرأي العام والإعلام في اليونان فترة طويلة.
والدها " ستاماتيس " كان نائباً في البرلمان اليوناني لأكثر من ثلاثين عاماً، أما أمها " لابا " فقد كانت من عائلات أثينا الشهيرة.
ولدت في أثينا في 18 اكتوبر 1920, عاشت مع جدها حيث كبرت وترعرعت، بعد انفصال والديها وكان جدها سبيروس ميركوري أحد أهم من تولى منصب رئيس بلدية أثينا، وفي بيته كبرت وبدأت بالظهور على الملأ في سن مبكرة جداً، حيث لفتت الانظار منذ تلك السن وتعلمت من جدها الذي كان يلقب بـ " سبيروس العظيم " الكثير من أمور السياسة. لكن موت جدها فيما بعد سبب لها صدمة كبيرة للغاية.
تزوجت وهي صغيرة من " بانو خاروكوبو " لكن هذا الزواج لم يستمر طويلا. وتزوجت عام 1959 من المخرج الأمريكي جول داسان الذي توفي في أثينا عام 2008.
عملت عامي 1944 - 1945 في المسرح اليوناني، ثم انتقلت إلى باريس حيث تعرفت على فنانين ومسرحيين من أمثال " كارولوكون " و" جان كوكتو " وانفتحت لها بذلك آفاق الشهرة.
في العام 1967 أثناء زيارتها لنيويورك، أدلت بتصريحات معادية لقادة الإنقلاب الذين أمروا بنزع الجنسية اليونانية عنها، ثم انضمت إلى باقي الفنانين اليونانين المعارضين للحكم العسكري من أمثال ثيوذوراكيس، وفي هذا الأثناء تعرفت على السياسي الذي أصبح رئيساً لوزراء اليونان فيما بعد " أندرياس باباندريو " الذي كان يقوم بجولة أوروبية، وبالتنسيق مع جدها " سبيروس " شاركت في حفلات ومظاهرات واعتصامات ضد الإنقلابيين، الذين منعوا أغانيها في اليونان وحجزوا على ممتلكاتها في البلاد، وحاولوا اغتيالها في الخارج.
شاركت بعد ذلك في تأسيس الحزب الإشتراكي اليوناني وأصبحت عضوة فعالة فيه، وتولت مناصب رفيعة، وفي نفس الوقت كانت تقوم بأدوار مسرحية وتلفزيونية، وفي العام 1977 انتخبت نائباً برلمانياً عن منطقة بيريوس، وأعيد انتخابها عام 1981 وعند وصول الإشتراكيين للحكم عام 1981 تم تعيين " ميلينا " وزيرة للثقافة وبقيت في هذا المنصب ثماني سنوات، استطاعت خلالها وبفضل صداقاتها ومعارفها الكثيرة أن تسهم بشكل فعال في رفع مستوى الحالة الثقافية في البلاد عبر تنظيم المعارض في اليونان وخارجها.
وكان من أهم مشروعاتها مشروع استرداد المنحوتات التابعة لهيكل " البارثينون " المعروضة في المتحف البريطاني. وطالبت بعودة كافة الآثار القديمة منذ أيام الفراعنة والبابابليين والآشوريين والكلدانيين والفينيقيين والتي نهبها الغرب من الشرق، واشتهرت عبارتها التي ذاعت : " ليس في المتحف البريطاني شي بريطاني سوى الاسم فقط ".
شرعت في سن قوانين تسمح بالدخول المجاني للمواطنيين اليونانيين للمتاحف والآثار اليوناني، كما ساهمت في إنشاء المسارح البديلة وفي تأسيس متحف الأكروبول.
دعت في العام 1983 وزراء الثقافة في أوروبا إلى مبادرة " عاصمة الثقافة الأوروبية " والذي تحقق عام 1985 وانتخبت حينها اليونان " كعاصمة الثقافة الاوروبية "، وقد تبنى الإتحاد الأوروبي هذه المبادرة بهدف تعزيز الثقافات داخل الإتحاد. وتبني وزراء الثقافة العرب المشروع في عام 1988 وتم اختيار القاهرة عاصمة للثقافة العربية عام 1996. ولا تزال هذه المبادرة الفريدة التي جاءت بها " ميلينا " سائدة حتى الآن بمشاركة 27 دولة أوروبية.
رحلت ميلينا المناضلة الشعلة يوم 6 مارس عام 1994 في مستشفى " ميموريال " بـ " نيويورك " الأمريكية وعاد جثمانها إلى أثينا حيث أقيمت لها مراسيم دفن رسمية يوم " 10 مارس من نفس العام " لم تقم بها الدولة منذ مائة عام. وجلبوا لها عربة خاصة تجرها الخيول ولف الجثمان علم البلاد تقدمته طوابير الشرف من العسكريين بينما سارت مئات الألوف من خلفه تغني أغانيها العظيمة وتنتشر صورها في كل مكان. في موكب مهيب تقدمه كبار رجال الدولة والإعلام, بينما ظلت جميع القنوات التلفزيونية الخاصة والحكومية تبث صور الموكب.
إنها روح فنانة عظيمة أثرت الفن السابع بروحها وشخصيتها الجذابة التي أسرت الملايين من المعجبين في سائر أنحاء العالم وارتبط ارتباطاً وثيقاً باليونان وإشعاعها الثقافي العالمي.