أميركا وعربها مستمرُّون في مواجهة الرئيس الأسد
سوف يكون أكيداً أن المطلوب من الآن وحتى موعد اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة، السبت المقبل، هو إعلان يومي عن عشرات القتلى في سوريا. وبالطبع، مثل أي يوم سابق، سوف يقال إن عشرين أو ثلاثين أو أكثر أو أقل قتلهم النظام. بينما تورد الأمم المتحدة تقريراً تشير فيه إلى أنه سقط حتى الآن نحو 3500 قتيل في سوريا، من دون أي تفصيل أو تحديد، علماً بأن الجديد في خطاب مناهضي النظام، وخصوصاً من المسلحين الذين يطلقون على أنفسهم اسم " الجيش الحر"، أنهم باتوا يشيدون بعمليات وكمائن وتفجيرات وعمليات ذبح يقومون بها ضد القوات النظامية، وهم يشيرون كما مراكز حقوقية، منها المرصد السوري الأكثر شهرة، إلى أن من يسقط هم من العناصر النظاميين. وخلال شهر من الآن، يبدو أن القوات النظامية أو الموالين لها من عناصر أمنيين أو مدنيين فقدوا أكثر من 250 شخصاً، علماً بأن السلطات في سوريا تتحدث الآن عن سقوط أكثر من 1300 قتيل من عناصر الجيش والأمن خلال المواجهات. يعني بكل بساطة أن نصف القتلى هم من أنصار النظام السوري، علماً بأنه فيما " يتفاخر" المسلحون بقتل عناصر من الجيش، فإن معارضين من جماعة السلمية، يعتبرون أن القتلى العسكريين هم جنود رفضوا الأوامر وحاولوا الفرار، لكن النظام قتلهم.
ليس أمراً جديداً التضارب في البيانات والكلام التعبوي بين معارضي النظام السوري، وهو في السياسة أكثر منه في الميدان. ولم تعد الأمور تحتاج إلى توضيحات في ظل انقسام لا سابق له، ليس داخل سوريا فقط، بل بين من هم خارجها من الذين يريدون استمرار المعركة حتى سقوط بشار الأسد، ومن يريد بقاء الأسد في مكانه، وبين فريق ثالث ممنوع له الإعلان عن موقفه الداعي إلى حوار يجنّب سوريا والمنطقة الخراب الكبير.
وإذا كانت المجموعات المسلحة المناصرة لمعارضي الأسد صارت تجاهر بعمليات إجرامية وحشية لا تتعرض لأي إدانة من جانب الثوار في العالم ومناصريهم - ربما هم يعتقدون أنها لا تحصل - فإن البلطجية الإعلامية والثقافية من جانب هؤلاء صارت أسلوباً يومياً من جانب الفريق الذي يعتبر كل من ينتقد المعارضة إنما هو مجرم في جيش الأسد. لكن النوع الجديد من البلطجة هو الذي لجأ إليه أنصار برهان غليون ورياض الشقفة في القاهرة عندما تعرضوا بالاعتداء لمعارضين مثل هيثم مناع وسمير العيطة وحسن عبد العظيم ليسوا في عداد المجلس الوطني لصاحبته " الشركة الأميركية - الفرنسية - القطرية للثورات "، علماً بأن باريس نفسها كانت قد قامت بنوع آخر من البلطجة عندما منعت معارضين مثل فايز سارة وميشال كيلو من عقد مؤتمر صحافي في العاصمة الفرنسية، وهم عقدوه خلسة وعنوة، كذلك بالشعارات التي احتفى بها " ثوار اليوتيوب " التي هاجمت كيلو وهيئة التنسيق السورية لأنها رفضت الدعوة الى التدخل الأجنبي. على أن الأكثر قوة في الحضور البلطجي، هو مسارعة وزارة الخارجية الأميركية الى دعوة المسلحين السوريين الى عدم الاستجابة لدعوة السلطات لتسليم أنفسهم. ذلك ربما لأن الأميركيين صاروا يعرفون من هم هؤلاء، وأن دورهم لم ينته بعد.
بناءً عليه، وإضافة إلى المفهوم سياسياً، فإن المعطيات الكثيرة الواردة تشير كما كان متوقعاً منذ شهر تقريباً، إلى أن التصعيد السياسي والدبلوماسي الغربي سوف يزداد قوة على كل أطراف المحور : إيران من خلال الكلام على البرنامج النووي، حماس من خلال ملف الدولة الفلسطينية ومحاولة احتواء موقفها بواسطة الإخوان المسلمين، حزب الله من خلال ملف المحكمة الدولية والضغط على لبنان اقتصادياً ومالياً، وسوريا من خلال جعل الحرب الأهلية حالة حقيقية تستوجب التدخل باسم الإنسانية وخلافه. ولذلك فمن غير المنطقي توقع أن تبادر أطراف المحور العامل على تقويض استقرار دول عدة إلى التوقف عما بدأوه منذ أشهر طويلة، بل سوف يزداد الأمر. وليست مصادفة الكشف عن المزيد من شبكات تهريب الأسلحة والأموال وأجهزة الاتصال الحديثة الى سوريا عبر لبنان وتركيا والأردن وحتى العراق، بغية توفير قاعدة قتالية تقف الى جانب المجلس الوطني الذي لا يريد الغرب وجماعته من العرب أن يكون غيره ناطقاً باسم المعارضين. وسوف نسمع كل أسبوع أن النظام لم يلتزم ولم يطبق الخطة، حتى تنضج اللحظة الداخلية والإقليمية المناسبة للخروج بقرارات أو خطوات عملية أكثر قساوة ضد سوريا.
الغريب بالأمر، أن الجميع تجاهل تصريحات نُقلت عن مفتي سوريا الشيخ أحمد حسون ( الذي نفاها في وقت لاحق )، قال فيها إن الرئيس السوري يريد الخروج من منصبه عندما تتحقق الإصلاحات. طبعاً، خصوم الأسد وحتى الحياديون لن يقبلوا خطوة من هذا النوع تصدر على لسان أي شخص. حتى لو قال الأسد نفسه هذا الكلام سوف يتم التعامل معه على أنه مسرحية هدفها تقطيع الوقت، وأن الإصلاحات قد تحتاج إلى عقود. وبالتالي سوف يظل الأسد في منصبه، علماً بأن بعض اللصيقين بالرئيس السوري أو المطلعين أكثر على موقفه، يتحدثون عن أن الإصلاحات التي يسعى هو إلى تحقيقها إنما تتجاوز بكثير ما يطالب به المعارضون، وخصوصاً أن جلّ هؤلاء يريدون الشراكة في اقتسام مغانم السلطة لا أكثر، إلا إذا كان ثوار الناتو الجدد يعدون الشعب السوري بثورة تنموية وديموقراطية ومقاومة يومية حتى إخراج المحتل الإسرائيلي من الجولان، وطبعاً بمعاونة الشركة إياها التي تديرها واشنطن وباريس .. وقمح !