الفساد الأنيق بقلم المهندس باسل قس نصر الله
بادىء ذي بدء أود أن اؤكد أنني أكتب بصفةٍ شخصيةٍ، بصفة المواطن الذي يهمه أمر الوطن.
أقرأ اليوم، وأتابع المناقشات التي تدور على الساحة السورية، والتي تهدف إلى مجابهة الفتنة مرةً، والى التلاحم والتلاصق والتعانق والانصهار والتلاقي واللُحمة ( ليست التي نأكلها ) وحتى نظرة المسيحيين إلى الأزمة مرات أخرى، وغيرها من طاولات الحوار التي تراوحت بين تأثير الأزمة على الشأن الاقتصادي، ثم إلى السياحة والزراعة ورعي الماشية وغيرها، ولن استغرب أن تكون هناك طاولات حوار يتمتع المشاركون بها، بعقدة للحاجبين تضفي جدية عليهم، ويناقشون خلالها تأثير الأزمة على الرقص الشعبي.
لا تستغربوا، فكلمات مثل الأزمة ومحاربة الفساد، أصبحت كلمات مغرية يقوم من خلالها الكثير مِمَن يَدَعون محاولة وضع قدراتهم الخارقة ( أين منها غريندايزر وسوبرمان أيام زمان ) ونظرتهم الاستراتيجية البالستية ( مثل الصواريخ بعيدة المدى ) كل ذلك تحت غطاء من القلانس والعمائم.
أضحك من أولئك الذين كانوا رموزاً للرشاوى والسرقات والصفقات، أبناء الدعة والسعة والرفاهية، والذين كانوا تماثيل ناطقة للفساد الأنيق.
لا يكفي أن يضع الواحد فيهم عقدةٌ في جبينه، ليعطي انطباع المفكر، فيكون هو من يوزع على الشعب نظرياته التي كتبوها له، ولا يكفي أن يقف بجلال للاستماع إلى النشيد الوطني ليصبح رمزاً من رموز الوطنية.
بفساده هو وإفساده، من أجل مصالحه الخاصة، أتاح ثغرات وأبواق ساهمت إلى ما وصلنا إليه اليوم.
والآن يأتي بوقار ليطرح نفسه مصلحاً يتغطى بقلنسوات وعمائم طالما كان يقدم لها المال.
الفساد الحالي يأتينا بصورة جديدة، إنه الفساد الأنيق.
موظف كبير في دائرة، يلبس الوقار والهدوء، أحذيته من ريد شوز، وقمصانه من كالفن، والكرافات من بيير كاردان ولباسه الرسمي من ايف سان لوران ووووو .....، ينظر الناس إليه وكأنه نور، ثم نعلم أنه فاسد وانه سرق وارتشى وباع واشترى.
يريدوننا اليوم أن نصدق أن الفاسدين أصبحوا الآن ضد الفساد، وأنهم تحولوا بقدرة قادر إلى الأم تيريزا.
يتغطون تحت أسماء بعض رجال الدين الإسلامي والمسيحي، لا بل أصبح هؤلاء البعض من رجال الدين شركاء لهم. هؤلاء الفاسدين منهم من انتقل من بيئة بسيطة إلى منزل للعائلة ومزرعة وأولاد يدرسون في جامعات خاصة وصديقة حميمة تشاركه راحته وجلسات نرجيلته.
أليس هؤلاء الفاسدين، هم فاسدون أخلاقياً قبل فسادهم المالي ؟؟
ببزاتهم الأنيقة، وشعرهم المصبوغ ليتحدوا الزمن به، وسياراتهم الفارهة ( الخاصة أو الحكومية )، ورياضاتهم للمحافظة على كمال أجسامهم، وابتساماتهم وتسلقهم ووقارهم المصطنع، كل ذلك كان البرستيج الذي يتخفون خلفه، ولكن الفساد كان طريقة حياة عندهم.
يلعبون لعبة الطائفية لأنها حصن الفساد والإفساد في المجتمع.
يقدمون الهدايا للمساجد والكنائس ليتسلقوا من خلالها مناصب تتيح لهم المزيد من الفساد.
يسرقون ثم يوزعوا فتات موائدهم على " الدراويش والغلابى ".
يصبح البعض منهم مدراء وأدنى أو أعلى والفساد معهم، يرتفع بارتقائهم المناصب.
ثم يحاولون أن يظهروا بمظهر المصلح والمفكر والمخلص لبلاده، ولولاهم لما وصلنا إلى إحراق البلد.
نحن مع الإصلاح ومن داخل هيكلية الدولة حتماً، ولكن بدون هؤلاء المتسلقين، الفاسدين أخلاقياً.
الله اشهد أني بلغت.