المناهج الحديثة في سوريا بقلم " آرا سوفاليان "
أتت المناهج الحديثة كضربة مطرقة على الرأس، فهذه أم تسهر مع طفلها دون أن تتمكن من تدبير أمره فيغادر الطفل إلى سريره وهو يبكي وأمه تبكي معه، وتلك أم تكاد ان تصاب بنوبة قلبية في مواجهة طفلة قررت أن توصد دماغها أمام هذا الإعجاز المسمى كتب الرياضيات الحديثة المتضمنة في المناهج الحديثة، وهذا مهندس يشتكي من مادة العلوم ويطلب المساعدة من قريبته التي تحمل الاجازة في العلوم ولا تستطيع مساعدته، تم وضع المناهج الحديثة لتغيير الحال، ولم يتغير الحال بالمطلق بل ازداد الوضع سوءاً على سوء، والأمل مقطوع من جهابزتنا الذين لا تهمهم إلاّ البروظة والتعالي على أقرانهم في الوزارة وبيض الوطنيات وتسجيل المواقف وقبض عوائد المهمات والتكليفات والمكافآت وطبع أسمائهم على الكتب ليصدقوا مقولة أنهم مؤلفين ناسين أو متناسين المثل الشعبي الشامي العريق وهو : ( عطي الخباز خبزو ولو أكل نصّو ) … نحن لم نعد نصلح لشيء ولم نعد أسياد العلم ولا أسياد الفن ولا الأدب، فلقد ذهب كل هذا مع نهاية العصر العباسي ودون رجعة إلاّ إذا عاد اللهم زمن المعجزات… نحن لم تعد لنا أدنى علاقة لا بالجبر ولا بالهندسة ولا بالطب ولا بالعلوم والفيزياء والفلك والكيمياء ولا حتى بعلوم الإجتماع ولا علوم الشريعة ولا الفقه ولا الفتاوى ولا أي شيء على الإطلاق، فلقد استفاد الغرب من خوارزميات الخوارزمي وكتب ابن سينا والكندي . ومؤلفات واختراعات ابراهيم بن سنان في الرياضيات والفلك وحركة الشمس ورسائله في الهندسة وعلم النجوم ونظريات مساحة القطع المكافئ وأصول الهندسة.
واستفاد من أبو اسحاق ابراهيم الأصطخري عالم الأرض والجغرافيا ومؤلف كتاب المسالك والممالك والذي جمع بين الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا السكانية في كتبه، واستفاد أيضاً من أبو اسماعيل الطغرائي الوزير وعالم الكيمياء والشاعر وصاحب كتاب جامع الأسرار وكتاب تراكيب الأنوار وكتاب الرد على ابن سينا في إبطال الكيمياء وكتاب مصابيح الحكمة، واستفاد أيضاً من ابو الصلت عالم الرياضيات ومؤلف أهم الكتب في الهندسة والموسيقى ومؤلف كتاب حديقة الأدب وكتاب تقويم منطق الذهن و صاحب الكثير من الاختراعات والإنجازات, واستفاد من أبو القاسم الزهراوي الطبيب والجراح الأندلسي الشهير العاتب علينا حالياً والمستاء منا بشدة، والذي اخترع عدداً كبيراً من آلات الجراحة ومعالجة أورام الكسور والخلوع وتدبيرها وعلاج حالات النزيف وترك ورائه مؤلفات هائلة في الطب والصيدلة وأصول التشريح والجراحة يتم تدريسها في جامعات الدول المتقدمة حتى الآن لأنها مؤلفات بكل ما تحوي هذه الكلمة من معنى، في حين لا نزال حتى اليوم نحرق أجساد مرضانا بسوائل التعقيم ونتسبب بمقتل أولادنا في غرف العمليات ونهرب من تحمل المسؤولية ولا نعترف بأخطائنا ونعفي مدراء المشافي ونعاقب مستوردي المواد الطبية وهم في الغالب متعدون على المصلحة وتجار سمنة أو تجار غنم وبقر تحولوا إلى تجار ومستوردين للمواد الطبية !؟ وقائمة علمائنا ومؤلفينا ومخترعينا تطول وتطول ولا تنتهي وقد استفاد الغرب من كل هؤلاء ورموا على مؤخراتنا الألوف من سطول المياه المثلجة وأغلقوا الباب.
أولاد أخي في كندا يدرسون فقط في المدرسة ويحلون وظائفهم هناك ولا يجلبون معهم أي شيء الى البيت، وهم وأقرانهم من قبلهم ومن بعدهم مرشحون ليقودوا العالم، فالدرس عندهم متعة وسعادة وفرح ونحن نجلس مع أطفالنا الى آخر هزيع في الليل نحاول تدريسهم ومساعدتهم فنجد أننا عاجزين إلا اللهم عن كفكفة دموعهم ونواسيهم لأننا ندفع ضريبة عدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب… كنا نؤلف للغرب وقد اوكلوا المهمة لنا لأننا كنا الأفضل وكانوا هم تلامذتنا يجلسون على مقاعدنا وينصتون بانتباه حتى تمكنوا… ولأن هذا اليوم هو يومهم فيجب أن نكسر على أنوفنا أطنان من البصل لنتقدم ونتمكن كما فعلوا هم من قبل.
رجاءً لا تؤلفوا قبل أن تأتلفوا وتتآلفوا والعلم، نحن لا نستطيع التأليف لأننا لم نعد القدوة، اتركوا التأليف لهم، وهم في عصرهم الذهبي كما تركوه لنا في عصرنا الذهبي الذي لن يعود وفق هذا النهج والاستمرار فيه ضمن إيديولوجية التجريب التي تحولت إلى التخريب.
لو كان الأمر بيدي فسأفرض مناهج كندا وأتخلى عن كل جهابزتنا الذين يخرجون تلاميذ لا ترتسم على وجوههم في المغترب إلاّ علامات الدهشة لا غير، فلا تعترف كل دول العالم بشهاداتهم ويجبرونهم على الدراسة في جامعات الغرب من جديد ومن نقطة الصفر.
نحن ليس لدينا مؤلفين ولا مدققين ولا مفتشين بل لدينا متعيشين هدفهم الأول والأخير وضع حفر ومطبات للطالب حتى يلعنوا نفسه ونفس أهله حتى يركض والده ويقبل أياديهم من أجل إعطاء دروس خصوصية … نحن ليس لدينا مؤلفين ولا مدققين ولا مفتشين بل لدينا متعيشين يمررون الأخطاء قصداً في كتب الرياضيات وفي التمارين بحيث تكون غير قابلة للحل، ليظهر الأب بهيماً أمام أولاده، ولتظهر الأم جاهلة أمام أولادها ليتولى في اليوم التالي مخلص الأمة والمسيح المنتظر وحامي الحمى وأمل المستقبل أستاذ الرياضيات في المدرسة يتولى إفهام الطلاب ان هذه المسألة فيها خطأ وهي غير قابل للحل ؟!
( طيب ليش تركتها لليوم حتى طلعت عيونا مع عيون ولادنا ..
الله لا يباركلك ).
إذا كان جوابكم - هادا الحاضر - فجوابنا هو : ممتاز ولكن ألا تعتقدون أيها الجهابزة أن هذه المسألة تندرج تحت مسمى الخيانة العظمى لأنها تؤدي إلى تدمير جيل كامل من الطلاب وتؤدي إلى خلق عقدة نفسية في قلوبهم الغضة تجاه مادة كالرياضيات مثلاً، ألا يستاهل المؤلف والمدقق ومسؤول المطبعة والقيّم على كل هؤلاء ما يستحقه مرتكب جرم الخيانة العظمى ؟؟؟!!! أليست النتيجة من حيث المحصلة هي خيانة فادحة للوطن عن طريق تحطيم أبناءه.
لا تؤلفوا أيها السادة لا تؤلفوا … لا تؤلفوا غير المرثيات ترثون بها المجد العربي الضائع الذي ضاع بفضل جهودكم المخلصة وجهود من سبقكم منذ اليوم الذي أطاح به الترك بمكتبة بغداد وحتى اليوم … فأنتم هواة متلقين وهذه الأمانة ثقيلة لا يمكن وضعها في أعناقكم لأنها وبسبب ثقلها قد تذهب بها.
بإستثناء اللغة العربية والتاريخ والديانة استوردوا كل شيء من الذين يتربعون على سلم المجد اليوم واكتفوا انتم ونحن معكم بمقاعد المتلقين … أما كتبكم التي تندرج في باب التعقيدات والاستحالات هي ومعظم الكتب التي سبقتها فارموها في المستودعات … وعوضنا على الذي عليه العوض، وبعد ذلك السلام لنا منكم والسلام عليكم.