التراث الطبيعي والانساني في سورية
بانوراما مصغرة للغنى الثقافي والتنوع التاريخي الثري
يمثل التراث الإنساني والطبيعي في سورية عموماً واللاذقية على وجه التحديد واجهة حضارية عريقة تستقطب سنوياً آلاف الزوار والسائحين من شتى أصقاع العالم لتشكل بعداً مهماً ضمن مجموعة التطبيقات السياحية التقليدية على المستوى المحلي ورافداً حيوياً لعملية التنمية السياحية المرتبطة بهذه التطبيقات التي تتسع لتطال الجغرافيا السورية على امتدادها عبر ما توفره من خيارات متنوعة للسياحة الثقافية في المواقع الكثيرة التي يصوغ هذا الإرث تاريخها الطويل.
وتقدم محافظة اللاذقية بانوراما مصغرة للغنى الثقافي والتنوع التاريخي الواسع في سورية من خلال مجموعة الشواهد الأثرية المنتشرة فيها والتي سكنها الإنسان السوري منذ فجر التاريخ كما تؤكد عليه الوثائق التاريخية العديدة لتحكي بذلك سيرة الحقب والعصور المختلفة في امتدادها المتطاول من مواقع الشرق القديم مرورا بأوابد الفترات الكلاسيكية والعربية والإسلامية.
وفي هذا الإطار يوضح جمال حيدر مدير آثار اللاذقية أن السياحة الثقافية هي حجر الأساس في السياحة السورية عامة لأن المادة التي يتطلبها هذا النوع من السياحة متمثلة بالشواهد التاريخية والأوابد الأثرية تنتشر وتتوفر بكثرة في مختلف محافظات القطر حيث يحقق الإقبال عليها عوائد اقتصادية كبيرة وخاصة في ظل ما تتمتع به من خدمات سياحية ضاعفت الإقبال على هذه المواقع بشكل مضطرد من عام إلى آخر.
وأكد حيدر أن اللاذقية تقدم بانوراما مختزلة للمشهد التاريخي الخصب في سورية من خلال مجموعة آثارها التي تعود إلى مليون عام خلت مرورا بكل العصور كما هو الحال في موقع ست مرخو الذي سكنه الإنسان منذ مليون سنة وصولا إلى أوغاريت حيث تلاحظ بقايا خمس حضارات تبدأ بالعصر الحجري الحديث في الألف الثامنة قبل الميلاد وتستمر حتى عصر البرونز الحديث في الألف الثانية قبل الميلاد كما الأماكن التي تعود إلى الفترات اليونانية والرومانية والبيزنطية.
ولفت إلى أن نسبة عالية من السائحين المحليين والأجانب تقبل على المواقع الأثرية المختلفة في المحافظة كموقع أوغاريت وقلعة صلاح الدين إلى جانب العديد من المعالم التاريخية الأخرى كقلعة المهالبة والقلعة الهلنستية وأعمدة باخوس والقوس الكبير وميناء اللاذقية ومدرج جبلة الأثري والمتحف الوطني بالإضافة إلى الجوامع والكنائس والأديرة والأحياء والأسواق والأزقة والتلال والمدافن والقصور والقناطر والبوابات الأثرية.
وحول الواقع السياحي بشكل عام اشار حيدر إلى أن السياحة لم تعد قاصرة اليوم على المنعمين والمترفين إنما باتت تتخذ لنفسها طابعاً جماهيرياً وشعبياً نحا بالمديرية إلى تكثيف جهودها لتنشيط السياحة الثقافية التي تستقي حضورها من التراث الثقافي الطبيعي متمثلا بزيارة المواقع الأثرية وحضور المهرجانات التي تقام في هذه المواقع والإقامة والتجوال في المحميات الطبيعية.
كذلك يشكل التراث اللامادي جانبا مهما في إغناء هذا التطبيق السياحي من خلال استهلاك السائح المحلي والأجنبي للمنتج اليدوي التراثي والمطبخ المحلي التقليدي والأزياء الشعبية والإقامة في الأبنية التاريخية أو لدى السكان المحليين مشيراً إلى أن هذه السياحة نشطت الاقتصاد المحلي في السنوات الأخيرة بنسبة تتجاوز العشرين بالمئة في المناطق الغنية بالتراث الثقافي.
وفي هذا الإطار تسعى مديرية الآثار حسب حيدر إلى تطوير المواقع الأثرية التي يقصدها السياح باستمرار لتظهر على أفضل وجه أمام روادها من خلال التحضيرات الموسمية لاستقبال الوفود السياحية والتي تتجلى في تجهيز هذه المواقع بداية كل صيف من حيث أعمال التنظيف الحراجية بعد مواسم الأمطار وتوضيح مسارات الحركة للزوار بالإضافة إلى أعمال صيانة النسيج المعماري في القلاع والمباني القديمة والتلال الأثرية بحيث يعاد تدعيم وتقوية البناء وإعادة ترميم الأجزاء المخربة.
واختتم ان الإحصائيات والمؤشرات السنوية تشير إلى ارتفاع أعداد السائحين بشكل متزايد على مختلف هذه المواقع ولا سيما في فصلي الخريف والربيع حيث تصل نسبة الإقبال إلى حدودها العليا ولا سيما من قبل السائحين الأجانب.
من ناحيته أكد المهندس فايز عدرة مدير السياحة في اللاذقية أن إجراءات عديدة اتخذت لدعم وتشجيع السياحة الثقافية في اللاذقية ويعتبر أهمها اتفاقية أبرمت في العام 2006 بين وزارتي السياحة والثقافة شملت كلا من موقع مدينة أوغاريت وقلعة صلاح الدين الأيوبي وتنص على حماية هذه المواقع وتوفير الظروف الملائمة لأكبر عدد يسمح به كل موقع من السياح لزيارته والاطلاع عليه كما يجري العمل على تأهيل مجموعة من المواقع الأخرى لوضعها ضمن خطة السياحة الثقافية للمحافظة.
وأضاف عدرة إن وزارة السياحة تعمل على الترويج لهذه المواقع عبر مختلف الوسائل الإعلامية المتاحة وتقديم كافة الإمكانات والخدمات السياحية لتأهيلها ومن هذه الخدمات إحداث نقاط طبية متحركة في هذه المواقع وتوفير المواصلات الآمنة والدليل السياحي المدرب في كل منها وأيضاً الشروحات والمطويات الإعلانية والترويجية إلى جانب التشجيع على الاستثمار السياحي والفندقي تلبية لاحتياجات الزوار والسائحين من داخل المحافظة وخارجها.
واختتم ان هناك سعيا دائما لإقامة المهرجانات الدورية والأنشطة الثقافية ذات الطابع السياحي للتعريف بهذه المواقع وبلورة صورة المنطقة والبيئة والمجتمعات المحلية التي تنتمي إليها و من هذه الفعاليات مهرجان طريق الحرير الذي يقام سنويا على مدرج جبلة الأثري ويضم نشاطات فنية وأخرى تراثية تعرض للصناعات والحرف التقليدية والأزياء الشعبية وغيرها.